حمد الحميد خبر مفرح تم نشره في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي أن دشن وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى كتاب «حياة في الإدارة» لمؤلفه الدكتور والأديب غازي القصيبي ( رحمه الله)، بعد اعتماده ضمن مقرر المهارات الإدارية لطلاب الثانوية العامة في المملكة، وفي الحقيقة إن هذا الكتاب واحد من أجمل وأروع كتب السيرة الذاتية الملهمة للأجيال، وعبر عن سيرته الشخصية والتعليمية والعملية والمواقف المثيرة التي واجهها في حياته العملية، فهو رجل من رجال الدولة، وشخصيته لم تمت في ذاكرة السعوديين، فشكرا لوزارة التعليم على القرار. الدكتور غازي القصيبي صاحب رؤية وفكر وفلسفة وأهداف تنموية كبرى للوطن، فهو أديب من الطراز الرفيع ومرهف الحس، ورجل من رجالات السياسة والفكر والأدب، واستطاع أن يتقلد أرفع المناصب في المملكة، ولما وصل لمكانة لم يصل إليها إلا القليلون من العظماء. لقد قرأت جميع الكتب للدكتور غازي القصيبي، ولا أزال أقرأ كل ما كتب، سواء الكتب الأدبية والروايات أو المقالات، وقد قرأت كتاب «حياة في الإدارة» عدة مرات أثناء دراستي الجامعية والعليا في الولاياتالمتحدة، وأدركت تماما العقبات والمصاعب التي وقفت في وجه الدكتور غازي القصيبي، ليس لأنه مختلف ومستقل فكريا، بل لأنه ينظر إلى حياة فكرية وثقافية عميقة ومختلفة ومميزة تتسبب في تأثير كبير على المجتمع السعودي، وله أفكار وتوجهات مختلفة عن الآخر، والذي كان مشاغبا فكريا وصداميا، وكما واجه ظلما كبيرا من بعض التجار لأنه فقط أراد أن يسهم بفتح باب رزق للشباب والبنات في المملكة، وقال عبارته المشهورة: «كيف تنجح السعودة وأنتم لا تثقون في الشاب السعودي؟»، ولك أن تتصور أن ترى الواقع الآن تماشيا مع رؤية المملكة. من المتوقع أن كتاب «حياة في الإدارة» يجد رواجا كبيرا بعد دخوله ضمن المناهج الدراسية، وهذا الكتاب يتناول سيرته منذ مراحل التعليم الأولية حتى قرار تعيينه سفيرا في المملكة المتحدة في عام 1992، ويروي من خلاله تجربته ويحكي المواقف العجيبة والشجاعة مع كبار المسؤولين داخل المملكة وخارجها، ويقدم النصائح القيمة للإداريين والشباب، وكان القصيبي يذكر أن «أي نجاح لا يتحقق إلا بفشل الآخرين، هو في حقيقته هزيمة ترتدي ثياب النصر». وإدخال كتاب «حياة في الإدارة» في المناهج الدراسية يدلل على الإدراك والتغيير المتسارع الذي تشهده المملكة الآن، وهذا الكتاب أحد أنسب الكتب من رجل مارس الإدارة والدبلوماسية طويلا، وحقق مستويات نزاهة وإخلاص عالية للوطن، وكان يحمل فكرا تنويريا، ويحارب البيروقراطية والفساد والتطرف، ويؤمن بقوة الإرادة والعزيمة للتغيير والانفتاح، ويدافع عن الشباب الطامحين، وقدوته متألقة للشباب والبنات حين ارتدى ملابس العاملين في العديد من المطاعم وقدم بنفسه الوجبات وابتسم أمام الناس، وجاءت قدوته وكلماته الجميلة والمعبرة لتأصيل ثقافة العمل المهني وأخلاق العمل وإزالة ثقافة العيب، وأجزم لو أن الله أعطاه العمر ليفرح ويبكي حين يرى الشباب والبنات الذين يعملون اليوم في المحلات التجارية والمطاعم وغيرها، ويحصلون على الرزق بشكل طبيعي. وقد تميز الراحل غازي القصيبي بشخصية في عالم السياسة والإبداع والفكر والأدب، وقد ترك في ذلك علامات لامعة وبصمات راسخة احترمها الجميع، وستبقى تجربته وشخصيته في الحياة والفكر والإبداع مديدة وحية في كل مكان. توفي غازي في عام 2010، ورقد بعيدا عن عالمنا، ورحيله يعد فعلا خسارة كبرى، ولكنه ترك كلماته تحلق بين صفحات الكتب التي أثرى بها العالم أجمع، ولا يمكننا أن ننساه مهما مرت عليه من سنين، فرحمك الله يا غازي القصيبي، وغفر لك وأسكنك فسيح جناته.