أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، أن الشائعات والأكاذيب من أشد الرماح الهاتكة لحمى الوحدة والجماعة، فكم تجنت على أبرياء، وأشعلت نار الفتنة بين الأصفياء، وكم هدمت من وشائج، وتسببت في جرائم، وفككت من أواصر وعلاقات، وحطمت من أمجاد وحضارات، ولم يسلم منها أهل الصلاح ذوو الأفهام، ولا حتى الأنبياء والرسل الكرام. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس من المسجد الحرام: «من تمعن في مقاصد شريعتنا الفيحاء الغراء ألفاها حققت أعظم المصالح وأسنى المقاصد، وزكت النفوس عن البوائق والمفاسد، فصاغت مجتمعا شريفا أنوفا، للآثام والمحرمات عيوفا، وعن مساقط الأدران عزوفا، وبذلك قادت أمتنا المباركة الفضائل والمكارم بزمام، وبلغت من الذود عن الأعراض والمحارم الذروة والسنام، وعلى غارب العصر التقاني الأخاذ الذي سبى الأفهام، وسحر الضعاف من الخاصة والعوام، تبرز قضية مؤرقة فاتكة، ولوحدة الأمة وائتلافها ممزقة هاتكة، تلكم الشائعات المقيتة المغرضة والأقوال المرسلة المتناقضة، والأخبار الكاذبة المتعارضة التي يسعى في نشرها مهازيل وأغرار، وسفهاء ضلال، لحمتهم القيل والتخمين، وسداهم الافتراء المبين، فبئست المسالك المعوجة، والرعونات السحماء الفجة، وكم يبتلى الناجحون الطامحون بأهل الحقد والحسد، ولكن ذلك لا يفل عزمهم، بل يزيدهم ثقة وشموخا ونجاحا وطموحا». الزجر الشديد أشار السديس إلى أن الإسلام نهى أتباعه أن يطلقوا الكلام على عواهنه، ويلغوا عقولهم عند كل شائعة، وتفكيرهم عند كل ذائعة، أو ينساقوا وراء كل ناعق، ويصدقوا قول كل دعي مارق، فجاء الزجر الشديد، والوعيد القاطع الأكيد، في السنة والكتاب بسوء المصير والمآب، لكل مشاء بالبهت مفتر كذاب، قال جل وعلا «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا». وبين السديس أن السيرة العطرة لرسول الهدى أنموذج يحمل في طياته نماذج حية لتاريخ الشائعة والموقف السليم منها، فقد رميت دعوته المباركة بالشائعات منذ بزوغها، فرمي بالسحر والجنون، والكذب والكهانة، وافتن الكفار والمنافقون الذين مردوا على النفاق في صنع الأراجيف الكاذبة والاتهامات الباطلة ضد دعوته، ولعل من أشهرها حادثة الإفك الشهيرة، تلك الحادثة التي كشفت عن شناعة الشائعات وهي تتناول بيت النبوة الطاهر، وتتعرض لعرض أكرم الخلق على الله، وعرض الصديقة بنت الصديق -رضي الله عنها- وعن أبيها، والتي نزلت براءتها من فوق سبع سماوات، وجاء معه العتاب قال تعالى «ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم».
مفتاح العبودية في المدينةالمنورة، أكد إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم، أن مفتاح العبودية لله، وسرها في العلم بأسماء الله وصفاته، فأسماؤه تعالى حسنى، وصفاته عليا، وله سبحانه في كل اسم وصفة عبودية خاصة، هي من موجبات العلم بها ومقتضياها، والله يحب أسماءه وصفاته، ويحب ظهور آثارها في خلقه، فأمر عباده أن يدعوه بها لقوله عز وجل (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها). وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس: إن أحب الخلق إلى الله من اُتصف بالصفات التي يحبها، ومن تعبد لله بصفاته قربا من رحمته، ومن أحصى أسماءه أنزله في جنته، ومن أسماء الله الحي، ومن صفاته الحياء، ورأس مكارم الأخلاق في الخلق، وأجلها وأعظمها قدرا وأكثرها نفعا (الحياء وهو خلق يبعث على ترك القبائح، ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق مبعثه ومادته من الحياة، وعلى حسب حياة القلب يكون الحياء فيه، وكلما كان القلب أحيى كان الحياء فيه أتم وأقوى)، مشيرا إلى أن المرأة جبلت على الحياء، وبه زينتها وجمالها، وهو لها حصن وأمان إذ قال الله تعالى (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) حفظ الألسنة أضاف إمام وخطيب المسجد الحرام: لقد عظم الخطب، وجلت الرزية، واستخفت البلية بفري أعراض رموز الأمة وقادتها وعلمائها، ممن أعراضهم أشرق من ذكاء، ومناقبهم بعدد أنجم السماء، ويقصدون بهذا السوء حطا من أقدارهم، ووقيعة في أعراضهم، ونزعا للثقة والمرجعية منهم، بالازدراء والتشهير في وسائل الإعلام الحديث عبر ما يعرف بالتغريدات والهاشتاقات، فإذا نظرت ثم رأيت ثرثرة ولآمة، وهراء وفدامة، وكثيرا قد سل للبهيتة أقلامه، وصوب للجرم سهامه، وجرد يا ويحه من لسانه حسامه، طعنا في الأخيار والبرآء، والمصلحين والنزهاء الذين يعيشون قضايا الأمة وجراحها، ويضمدون نزيفها ويرومون فلاحها. وشدد إمام وخطيب المسجد الحرام، على حفظ الألسنة عن ذوي الأقدار والهمم، ووجوب إظهار منهج الأخلاق والقيم المتميز الذي ينضح بنبل الشمائل والخلال، وقال: «فمن بلي من آثار الإفك والحديث عن عورات الآخرين فليتق الله، ويستعن به ويصبر، ولا يزيده ذلك إلا ثقة وإصرارا وإيمانا، فإن العاقبة للتقوى، وليتيقّن أنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وكذلك الخائنون للأديان والأوطان. فيا من بليتم بالإفك والافتراءات لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم، فيجب الحفاظ على النسيج الاجتماعي في الأمة، ومنظومة تآلفها المتألقة، والتوارد على ميثاق شرف أخلاقي، خاصة في وسائل الإعلام الجديد، وسن الأنظمة الحازمة لردع كل من تسول له نفسه السير في هذا الطريق الشائن وإيذاء المسلمين».