مع كل هذا الضجيج في حركة المدن والناس والسيارات، وما يحدث من أحداث وأخبار حوادث قتل وفساد وما يحدث في وسائل الاتصال والقنوات الإعلامية والممكن واللاممكن والقال والقيل والصح والغلط والصدق والكذب والإشاعة والهمزة واللمزة والنميمة، كل ذلك يكاد يذهب بحلاوة أعمارنا ويسرق فرحة سنينه ونحن بين الانتظار والترقب، والوقت يسرقنا بسرعته، والعمر لا يتوقف ولو للحظة. لكننا بين هذا والبعد عن ذلك نحتاج إلى الهدوء والتفكير بعيدا عن كل هذا الضجيج المزعج والمؤثر على صحتنا وتفكيرنا وتعاملنا، فقد تحملنا لحظات سكون إلى البحث عن المزيد من الهدوء نجدها في سجدة خاشعة أو راحة مسروقة في هذا الزمن العصي على الهدأة. فكم هو صعب أن تصنع هدوءاً في جوانحك المليء بضجيج أفكار متزاحمة أو مشاعر مؤججة ورسائل موجهة إلى دواخلنا بالسلبية والهلع، في هذا العقد من الألفية الثانية بمزيد من الحروب والإرهاب والأفكار الهدامة التي لا تهدأ إلا بالحزم، وها هي الأيام وأقدارها تتخطف الناس من حولنا... فلا محالة أن نعيش في هذا الصخب المزدحمة به جميع وسائل الإعلام المتنوعة بجيشها ومادتيها السلبية والإيجابية والموجهة إلى أفكارنا وعيوننا، فمرة تسعدنا وأخرى تزعجنا بإرهابها الإعلامي. فلا مفر من ذلك إلا الهروب إلى استراحتي الخاصة بعيدا عن كل هذا الضجيج باحثا عن السكينة، هناك أكون أحوج إلى صناعة الهدوء في نفوسنا أولا بمد الأسباب مع الله، وهو الحبل المتين والركن إن خانتك أركان. ثم في بيوتنا ثانيا بأن نحافظ عليها من تغير الأحوال وتقلب الأهواء، حريصين على من فيها، فقد تكون بيوتنا مبعث الضجيج ضدنا، فلا بد من أخذ الحذر و صناعة الهدوء، فالبيوت السعيدة هي التي لا صوت لها، وكما بشّر الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب لما كانت تصنعه من هدوء في بيت النبوة. أما أعمالنا فلنتقن صناعة الهدوء فيها لنحقق إنتاجا فعّالا وبناء ممتدا، فالعربة الفارغة هي الأكثر ضجيجا، فلنملأ عربات أعمالنا بالكثير من الخطط المدروسة والأفكار الراقية لرفع الإنتاجية بلا ضجيج.. ولنختم يومنا دائما إذا الليل أسدل لباسه علينا بنفوسنا المطمئنة الهادئة البعيدة عن صخب الحقد وضجيج الغل والغيرة والحسد لننام نوما هادئا ولنبدأ بعده يوما جديدا، نصنع به هدوءا بعيدا عن رياح وعواصف ومتغيرات الحياة السلبية، ولتكن حياتنا جلها إيجابية باحثين عن التبشير والبشرى فأل المسلم، فبشروا ولا تنفروا واسعدوا ولا تحزنوا، وأنتم المتفائلون بكرم الله ولطفه ورزقه...