فيما أجمعت مصادر روسية متعددة على أن إعلان موسكو سحب قواتها من سورية، للمرة الثانية، يعود إلى مخاوف حقيقية من إمكانية تكرار السيناريو الأفغاني مع القوات السوفيتية، رجحت تقارير روسية استنادا إلى خبراء في الشأن العسكري أن تكون عملية الانسحاب مجرد مناورة سياسية لا أكثر، بهدف تبريد الانفعالات على الساحة الإقليمية والعالمية. وأكدت التقارير أن موسكو لا يجب أن تنسى أنها تقدم المساعدات الإغاثية في سورية، وبالتالي فهي تحتاج إلى ضمان أمن القوافل، إلى جانب عمل الشرطة العسكرية في مناطق خفض التوتر، والاختصاصيين الذين يعملون مع القوات المحلية في إطار مركز المصالحة بين الأطراف المتحاربة. حرب إعلامية من جانب آخر، ترى تقارير روسية آخرى أن التسرع في إعلان الانتصار في سورية يعكس مدى رغبة موسكو في إعادة الانتشار والتموضوع وفق تحركات عسكرية أمنية جديدة، تضمن تفوقا سياسيا وعسكريا من جهة، ومواصلة الضغط على فصائل المعارضة سياسيا وعسكريا من جهة أخرى، خاصة وأن موعد انعقاد مؤتمر «الحوار الوطني السوري» في مدينة سوتشي بات قريبا. وأوضح خبراء في الشأن الروسي أن الإعلان الروسي عن استكمال الحرب ضد داعش في سورية، وسحب قواتها من البلاد، لا يستبعد أن يأتي في إطار الحرب الإعلامية ضد الدول الغربية أو المعارضة السورية، إلى جانب استقطاب أطراف إقليمية وتخفيف حدتها تجاه روسيا، تمهيدا لتشتيت المعارضة السورية، وضمان حضورها في المؤتمر الروسي المرتقب. الانزواء الأميركي على الصعيد الغربي، ترى تقارير مطلعة أن موسكو أصبحت تملك نفوذا قويا في منطقة الشرق الأوسط، بفعل الأزمات المتعددة، وانزواء المنافس الأميركي نسبيا على الشأن الداخلي، الأمر الذي يمنحها هامشا معقولا من الحركة في المنطقة الأهم في العالم. وأشار مراقبون غربيون إلى وجود بوادر انعدام ثقة في الحليف الأميركي نظرا لتراجعه في مناطق متعددة من العالم، مما يساعد الروس في استغلال هذه الثغرة وتقديم أنفسهم على أنهم الحليف الأقوى والأبرز على الأصعدة السياسية والعسكرية. من جانبهم، يرى خبراء آخرون أن الانسحاب الروسي الجزئي من سورية، قد يهدف إلى الضغط على نظام الأسد بدرجات متفاوتة، لإجباره على المضي في التفاوض وتقديم تنازلات في حال نجاح موسكو في إقامة توافقات مع واشنطن. حملات إعلامية مضادة في غضون ذلك، ما تزال وسائل الإعلام الروسية، تصعّد من حملاتها ضد الوجود الأميركي في سورية من جهة، وشرعنة الوجود العسكري الروسي من جهة ثانية، واتهام واشنطن بدعم الجماعات المتشددة وتقديم الدعم اللوجستي لتنقلهم إلى ليبيا وشمال إفريقيا من جهة أخرى، إلى جانب مهاجمة الفصائل السورية المعارضة التي لا تتلاقى مع الفكرة الروسية للحل في سورية. وامتدت الحملات الإعلامية إلى تصريحات المسؤولين الروس التي تضمنت تلميحات بذلك، مما أعطى وسائل الإعلام الروسية مسوغا لتوسيع حملاتها، في وقت تخشى موسكو من تعرض وجودها العسكري في سورية إلى وضع أشبه بالسيناريو الأفغاني إبان الوجود السوفييتي في سبعينات القرن الماضي، إلى جانب احتمالية تعرضها لهجمات مضادة عبر المتطرفين العائدين إلى دول وسط آسيا.