فجرت حادثة انتحار الخادمة الإندونيسية التي سقطت من الطابق الثالث على الأرض لتلقى مصرعها في حي الصفا شمال مدينة جدة أول من أمس، الكثير من علامات الاستفهام والجدل حول أوضاع الخادمات . وفي محاولة لرصد أهم الدوافع التي تؤدي إلى انتحارالخادمات إما بإلقاء أنفسهن من النوافذ أو شنقاً أو قطع الوريد، التقت "الوطن" بالأخصائي النفسي وليد الزهراني الذي أرجع انتحار الخادمات من خلال وقوفه على علاج بعض الحالات إلى سوء الحالة النفسية نتيجة الغربة إقترانا بسوء المعاملة . وقال الخادمات يأتين من بلادهن، وهن محملات بالكثير من الاكتئاب لبعدهن عن الأهل والأولاد والبيئة، وذلك على غير رغبتهن وبدافع "الحاجة" , وتتزايد هذه الحالة سوءً مع مرور الأيام إذا لم تجد بيئة حسنه تعمل بها وتزيل عنها هم " الاغتراب" مما يدعوها للخلاص من حياتها، بالإضافة إلى أن المعاملة السيئة عامل رئيس يقف خلف محاولات انتحار الخادمات وخاصة إذا وصل الأمر إلى" السب والشتم والضرب والحجز . ويتعدى الأمر أحياناً إلى "الاعتداء البدني أو الجنسي"، مما يشعرها بالإهانة والدونية، وأنها أصبحت رخيصة وحقيرة ، مما يزيد من توترها في ظل شعورها أصلاً بالاكتئاب. قصص مؤلمة وسرد الأخصائي النفسي وليد الزهراني بعض القصص الواقعية التي وقف عليها خلال معالجته لها ومنها محاولة خادمة من جنسية آسيوية (عمرها 24 سنة ولم تتزوج) الانتحار بعد تعرضها لاعتداء جنسي من قبل أحد أبناء الأسرة التي تعمل لديهم , فكتبت رسالة إلى أهلها مضمونها "اعذروني شوهت سمعتكم وأنتم السبب"، وسلمت الرسالة إلى كفيلها، وفي اليوم الثاني شربت كمية من مادة "الكلوركس"، وتمكنت الأسرة من إسعافها، وعاد رب الأسرة إلى رسالتها التي لم يرسلها بعد ليعرف السبب، فأخذ على نفسه معالجتها والوقوف معها. تقطع وريدها بسبب العنف وآسيوية أخرى (28عاما)، متزوجة، تعرضت لممارسة العنف والضرب والحبس في إحدى غرف المنزل لأيام عدة، وكانت تكرر طلب السفر إلى أهلها مبدية عدم رغبتها في إكمال العمل لدى الأسرة، فقامت بقطع الوريد بمعصمها قبل نومها مساءً ، وتم إسعافها في اللحظات الأخيرة . يطلق زوجته بسبب الخادمة عمدت ربة منزل إلى إحراق الخادمة في "فخذها" بمكواة الملابس في محاولة لتشويهها أمام زوجها الذي أحست أنه يميل إليها."الخادمة" متزوجة في بلدها وأحست أن مشاهدة زوجها لذلك الاعتداء بمثابة "العار" و"الفضيحة"، ففضلت الانتحار، وتناولت كمية كبيرة من الحبوب، ومادة "الكلوركس" في محاولة لإنهاء حياتها. وتمكن رب الأسرة من إنقاذها، وفي المقابل طلق زوجته "كرد فعل على تصرفها غير الإنساني. أسر منبوذة اجتماعياً وأكد أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور عبدالعزيز الغريب أنه ليس هناك دراسات اجتماعية محددة لهذه الظاهرة. ولفت الغريب إلى أن الأسرة التي تسجل فيها حالة انتحار خادمة تكون "منبوذة" اجتماعياً و تبتعد عنها الأسر الأخرى ، وتعيش الأسرة نفسها حالة من القلق والندم كونها السبب في انتحارها. وأضاف الغريب أن العقوبات الصادرة بحق من يتجاوزون في التعامل مع الخادمات "ضعيفة جداً"، وهناك من قام بضرب خادمته وحرقها، و اكتفى قسم الشرطة بأخذ التعهد عليه وإعادتها إلى منزله مرة أخرى. وبدأ أستاذ التفسير في جامعة الإمام الدكتور محمد حسن الدريعي حديثه بالقول " قضية الانتحار محرمة شرعاً، ولا تجوز بأي حال من الأحوال". وقال إن قضية انتحار الخادمات قضية خطيرة جداً، ولابد من دراستها دراسة متأنية، وأرى أن الضغط عليهن من قبل بعض الكفلاء وربات البيوت يدفعهن إلى هذا المصير . وأضاف حين يأتين إلى المملكة يعتقدن أنهن سيتصرفن براحتهن، ويجدن عكس ذلك تماماً، فكل تصرف في البيوت السعودية المحافظة بحساب، وهذه الحرية التي يتصورنها من المستحيلات عندنا، فتصاب بهذا النوع من الضغط الذي لا تتحمله في كثير من الأحيان فتقدم الخادمة على محاولة الهروب، أو الانتحار . وطالب بدراسة الأمر دراسة جيدة ، وتعليم الخادمات في بلادهن قبل أن يأتين إلى المملكة تقاليد المجتمع السعودي حتى لا يتكرر هذا المشهد المؤلم الذي نراه ما بين فترة وأخرى والذي ينقل صورة سيئة للآخرين عبر بعض وسائل الإعلام التي تلتقط مثل هذه الصور.