أعلن العالم ديفيد. أ. كينج (جامعة يوهان فولفغانغ غوته، فرانكفورت، ألمانيا)، وهو الخبير البارز في آلات الفلك الإسلامية، أن هناك نحو 500 إلى 600 أسطرلاب إسلامي، يعتقد أنها لا تزال موجودة حتى اليوم، وأنها صنعت ما بين القرنين التاسع والتاسع عشر، من بينها مجموعة من 90 أسطرلابا عاينها بنفسه، وهو يرى أنه إذا تم احتواء هذه المجموعة في مؤسسة بأحد البلدان الإسلامية، مثل متحف متخصص، أو مؤسسة أكاديمية رائدة في العالم الإسلامي يتركز نشاطها على تاريخ العلوم الإسلامية ويُحتفى بمساهمتها بالمعرفة، فسرعان ما سيعترف بها كمركز أكاديمي رائد للبحث العلمي والمنح الدراسية عن تاريخ العلم في العالم الإسلامي. وكان الأسطرلاب، وهو يعد بمثابة حاسوب فلكي حقيقي، وأول كمبيوتر اخترعته البشرية، قد منح للعالم الإسلامي مكانة هامة وبارزة خلال العصور الوسطى، واعتبر الجهاز المفضل لدى علماء الفلك المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها طوال ألف عام من الزمن، حيث لم يألُ جهداً في إضافة مزيد من الإمكانات إليه وتطويره، فلم يكن يستخدم كأداة لضبط الوقت وفق حركة الشمس والنجوم فحسب، بل وفي تحديد مواقيت الصلاة أو اتجاه القبلة. كما حوله المسلمون إلى تحفة بديعة الجمال وعمل فني علمي رائع، وكان إحدى العطايا الدبلوماسية المفضلة للغاية، ورمزا من رموز الجاه والرفعة، حتى إنه ظل إحدى القطع التي يسعى كثيرون حثيثا وراء اقتنائها لقرون. ومنذ أكثر بقليل من قرنين من الزمن، وتحديدا منذ عام 1800 قادت التطورات العلمية المتدرجة إلى الاستغناء جزئيا عن الأسطرلاب، وحولته إلى مجرد قطع تراثية تتناثر هنا وهناك، بعدما تم الاستغناء عن استعماله، على الرغم من أنه كان يعد بمثابة حاسب فلكي وقت شيوع استعماله ما بين عامي 1087 و1800 للميلاد. أكسفورد تتفوق يحتوي متحف جامعة أكسفورد لتاريخ العلوم على أكبر مجموعة من الأسطرلابات الإسلامية الأصلية في العالم، كما يعمل متجر «أهوان» الذي يعد واحداً من كبار المتعاملين في الفن الإسلامي، على توفير أكبر مجموعة من الأسطرلابات الإسلامية وغيرها من الأدوات العلمية، إضافة إلى مكتبة مرتبطة بالمخطوطات العلمية الإسلامية والكتب المطبوعة حول العلوم في العالم الإسلامي. وقد منحت الأهمية الثقافية وجمال الأسطرلابات تلك المجموعة قيمة كبيرة لعدة قرون، وبسبب أهميتها نجد أنه هناك أمثلة معروفة من الأدوات الوهمية، وقد تم في بعض الأحيان تزوير تلك القطع النفيسة في وقت ماض، حيث أصبحت النسخ المزيفة تحفا في يومنا هذا. كما أن بعض هذه القطع المزيفة وجدت طريقها إلى بعض المتاحف التي لم تدرك أنها غير أصلية، ويؤكد الدكتور كينج أنه يتحدث فقط عن القطع الحقيقية الأصلية التي تم توثيقها والتأكد منها من قبل ثلة من المختصين والخبراء، كما تمت المصادقة عليها من قبل خبراء من المتحف البريطاني، ويقول «لقد رأيت شخصياً معظمها، بما في ذلك تلك الأكثر أهمية تاريخياً». تقدم إسلامي تفوق المسلمون في علم الفلك في القرن الثامن على اليونانيين والهنود والفرس، واستمر تفوقهم هذا بين القرنين الثامن وحتى السادس عشر الميلادي، وهو أطول بكثير مما كان عليه في أي حضارة أخرى، وخلال ذلك الوقت قدم علماء الإسلام مساهمات هائلة في المعرفة البشرية في علم النجوم، وحركة الشمس والقمر والكواكب، وضبط الوقت من الشمس والنجوم، وبالطبع الأدوات المستخدمة لمثل هذه القياسات، وأهمها الأسطرلاب، الساعات الشمسية، والربعية (أداة قياس الارتفاع). ولا تزال معظم تلك الإنجازات غير معروفة خارج العالم الإسلامي، لكن عدداً محدوداً من الأعمال بات معروفاً لدى الغرب، بعد أن انتشر المسلمون ووصلوا إلى إسبانيا، حيث جذبت تلك الأدوات انتباه الأوروبيين المتشوقين والعطشى للمعرفة، وقد استفادت أوروبا من هذا الاكتشاف العلمي الإسلامي، ولكنها ظلت جاهلة بالمجال الكامل للعلوم الإسلامية حتى القرن العشرين، ومع ذلك فإنه لكتابة التاريخ الصحيح للعلوم، ولكتابة التاريخ الصحيح من الواجب والضروري مواجهة المخطوطات العلمية العربية الهائلة والأدوات الفلكية الإسلامية والمحافظة عليها وتشجيع دراستها. البناء يشير الدكتور كينج إلى مخطوطات بالغة الأهمية تحدثت عن علم الفلك، وهي موجودة ضمن المجموعة التي عاينها، والتي تضم نحو 135 مخطوطة إسلامية، بينها كتاب وضعه البيروني في القرن الحادي عشر الميلادي، ونسخة وحيدة حول بناء واستخدام الأسطرلابات الكروية وضعها الصوفي؛ ومن ثم ثانياً كتابات حول الأدوات المستخدمة في مرصد القرن الثالث عشر الميلادي في المراغة، ونسخة من القرن الخامس عشر (كتيب فلكي مع جداول) من أولوك بيغ في سمرقند؛ (في يد صاحب البلاغ) في رسالة كتبها تقي الدين، المعروف باسم الراسيد تتناول بناء واستخدام الأدوات في المرصد الذي بني في القسطنطينية بتاريخ 984 للهجرة، 1576 للميلاد. ويؤكد الدكتور كينح أن هناك عددا من المخطوطات في هذه المجموعة من شأنها إن تعرضت للتحقيق أن تحافظ على أعمال غير معروفة من مصادر أخرى، موضحا «هذا يستحق أن يدرس ويكتب من قبل الأكاديميين وطلابهم، فهناك مكتبتان علميتان مهمتان للغاية من الكتب المطبوعة المكرسة بالكامل للعلوم في العالم الإسلامي، وتدمجان في كتاب واحد، وتشكلان جزءا لا يتجزأ من «المجموعة»، يسمح إدراجها المتحف المزمع توسيعه إلى منشأة أكاديمية وبحثية رائدة في العالم، الأولى تعود إلى البروفيسور. إدوارد س. كينيدي، الذي كان الباحث الرائد في تاريخ علم الفلك الإسلامي في النصف الأخير من القرن العشرين، وكان هو الذي عرض نطاق الكتيبات الفلكية الإسلامية مع مئات الصفحات من الجداول والنص التفسيري (توثيق 125 زيجس، في حين أن كتب الخوارزمي والبطاني هي المعروفة عموما)، والذين أعادوا اكتشاف أعمال البيروني والكاشي، وهناك مكتبة ثانية شكلتها بنفسي، جنبا إلى جنب مع البروفيسور. G. سليبا و J. Samsó، أنا واحد من أبرز خلفاء كينيدي، وكنت مسؤولا شخصيا عن البحث عن مئات من الصكوك والمخطوطات غير المدروسة من قبل لتوثيق مختلف تطبيقات علم الفلك لاحتياجات الطقوس الإسلامية لأكثر من 1400 سنة، والآن، وبعد أن تقاعدت، المكتبة سوف تخدم البشرية بشكل أفضل في أيدي الأجيال القادمة من العلماء. وباختصار فإن هذه المجموعة الفريدة من نوعها من جميع أنواع الأدوات والمواد المتعلقة بتاريخ علم الفلك والعلوم الإسلامية تشكل قاعدة بالغة الأهمية وسليمة جدا للبدء في دراسة النشاط العلمي العربي والإسلامي والإنجاز من القرن الثامن إلى ال19 الميلادي. وسيكون تركيبها وعرضها في مؤسسة في العالم العربي احتفالا كبيرا بالمساهمة غير المعروفة التي لا تضاهى والتي قدمت إلى الحضارة. تطور زمني وجغرافي يؤكد الدكتور كينج أن مجموعة الأسطرلابات المعدة لأن تكون أساس المتحف المتخصص الذي يشدد على ضرورة إنشائه تضم، على سبيل المثال لا الحصر، اثنين من أقدم الأسطرلابات المعروفة في الوجود، وكلاهما صنعا في بغداد في عام 900 للميلاد، إضافة لبعض لوحات «المناخ» الجغرافية، مشيراً إلى تطورات عدة طالت الأسطرلابات خلال رحلتها التاريخية، حيث تعامل الأسطرلاب القياسي مع سلسلة من خطوط العرض، فيما تطور الأمر، ففي القرن الثاني عشر الميلادي وضع عالم فلك إسلامي من إسبانيا أدوات تخدم جميع خطوط العرض. كما طرأت على الأسطرلاب الذي كان مجرد صفائح في البداية تطورات هامة ليكون منه الأسطرلاب الكروي الذي تم اختراعه في بغداد في عام 900 للميلاد، وهو موجود في أكسفورد، إضافة لأسطرلاب صنع في إسطنبول عام 1500 للميلاد. كما تحتوي المجموعة التي عاينها الدكتور كينج على أسطرلاب كروي من القرن الرابع عشر الميلادي، إضافة لأسطرلابات أخرى مصنوعة في إيران والهند، ومثلها من المغرب صنعت بين القرنين السابع عشر ولغاية الثامن عشر، وقد تميزت كل هذه الأسطرلابات بجمال تصميم الخرائط النجمية. وكفاءة التنفيذ. وتحتوي المجموعة التي تؤكد قيادة العالم الإسلامي ونفوذه في مجال علم الفلك على أسطرلابين مصنوعين في أوروبا، وهما يأتيان في مرحلة لاحقة زمنية من حيث التسلسل الزمني للأسطرلابات المصنوعة في العالم الإسلامي، وتم صنعها من قبل مايكل كويغنيت، وهو صانع الآلات الفلمنكية المعروفة في عام 1600 للميلاد، وتحتوي كل هذه الأسطرلابات على كلمات عربية مكتوبة بأحرف لاتينية. وهناك كذلك، حسب كينج، أسطرلاب نادر للغاية ومهم، هو الأسطرلاب الأوروبي العائد للقرن الرابع عشر، وقد صنع في فرنسا، وهو الوحيد الذي لديه نقوش بالبيكارد (لهجة إقليمية قبل الفرنسية). والأهم من ذلك هو أن جميع الأرقام على هذا الصك هي في تدوين فريد تماما، وجنباً إلى جنب مع الأسطرلاب، المصمم لعدة خطوط العرض، كانت الأداة الأكثر شيوعاً بعد القرن 14 للميلاد هي الأسطربيل الربعية التي تخدم فقط خط عرض واحد، إضافة إلى تشكيلة واسعة من 24 من الربعيات الخشبية، وثلاثة أمثلة نادرة من النحاس الأصفر، وأكثر من 20 كرة سماوية من القرنين السادس عشر إلى التاسع عشر الميلادي لعرض النجوم وأحيانا الأبراج، وهذه كانت تشكل جزءا من كل معدات الفلكي في العصور الوسطى. كما أن هناك حوالي 20 بوصلة لمعرفة اتجاه مكةالمكرمة، وعدد من الساعات الشمسية لساعة النهار وأوقات صلاة النهار تخدم متطلبات دينية خاصة في ضبط الزمن الفلكي في العالم الإسلامي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن «المجموعة» تحتوي على عدد من الأوزان، والمقاييس، والأقراص الفلكية وغيرها من الصكوك، وهناك أيضا نحو 135 مخطوطة إسلامية مكتوبة باللغات العربية والتركية والفارسية والأردية واليهودية العربية من جميع المناطق بين المغرب والهند وآسيا الوسطى واليمن، وهي تغطي أساسا علم الفلك والرياضيات والهندسة، وكذلك مواضيع أخرى مثل الجغرافيا والزراعة.