تحتفظ مدونات الأحكام القضائية بغرائب القضايا والإجراءات العدلية والأحكام القضائية، وتعد (مدونات الأحكام) التي تصدرها وزارة العدل بشكل دوري مرجعا للقضاة والمتقاضيين وطلاب العلم والمحامين للاستفادة من نماذج الأحكام العدلية التي نظرها القضاء الحديث في النوازل العصرية، وحيث اعتبر المؤرخون والمختصون مدونات الأحكام القديمة نوعا من أنواع تقنين القضاء، دافعت العدل عن مدوناتها القضائية واعتبرتها سمة القضاء الحديث وحفظا لذاكرته بعيدا عن تقنين الأحكام. قضايا عصرية طلب إلحاق نسب طفل حديث الولادة لأبيه المتوفى قبل ولادته بأكثر من عام لمشاكل الأم الصحية وتعثر ولادته، ومطالبة بإبطال طلاق زوج مسن مريض أراد حرمان زوجته من الميراث، وحكم إثبات فسخ نكاح من مريض إيدز خشية انتقال العدوى للزوجة، وإثبات طلاق عن طريق رسائل الجوال النصية والمكالمات الهاتفية ورسائل مواقع التواصل الاجتماعي، والحكم في انقياد زوجة معتوهة (متخلفة عقليا) لبيت زوجها المعتوه وأحكام أخرى في قضايا شائكة اعتبرتها العدل نماذج للقضاء وعرضها لتكون نماذج وسوابق في القضاء السعودي، هي عناوين فهرسة المدونات القضائية. ننشر الأحكام بأمر ملكي في حين اتهم بعض المؤرخين مدونات الأحكام العثمانية القديمة بحصر الأحكام على مذهب واحد في محاولة لتقنين الأحكام، دافعت العدل عن قرارها في نشر الأحكام وجمعها في مدونة أو مجموعات، وذكرت أن بعض الدساتير ترفض تدوين الأحكام بحجة أنها فوق التدوين، وأن التدوين يضعف من اجتهاد القضاة في إصدار الأحكام، وذكرت في «مجموع الأحكام» أن النظام القضائي الحديث أمام نص نظامي حسم الأمر في مسألة الجدل بصحة نشر السوابق القضائية (تدوين الأحكام) من عدمه، فقد أجاز قرار مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة بالرقم 236 وتاريخ 19/ 2/ 1431 فكرة المدونة القضائية، وعلى ضوئه أصدر الملك عبدالله أمره بتكوين لجنة علمية لإعداد مشروع «مدونة الأحكام القضائية ومجموع الأحكام»، وأنشئت إدارة في الوزارة للعمل في تدوين الأحكام نظرا لأهميته في القضاء العصري الحديث. تدوين الأحكام ليس تقنينا أكدت وزارة العدل (في مقدمة مجموعة الأحكام القضائية) أن مدونات الأحكام القضائية التي تنشر في بوابة الوزارة ووصلت لأكثر من 33 مجلدا تختلف عن ما يسمى بتقنين الأحكام القضائية، وأن المصطلح الصحيح لمدونات ومجموع الأحكام هي «السوابق والمبادئ القضائية»، واعتبرت أن نشر الأحكام في النوازل العصرية أصبح من ضروريات وسمات القضاء الحديث، لا سيما مع تعدد الوقائع وتزايد تداخلاتها، واطراد ضعف آلة الرجوع للنص من أجل ملء فراغ الاجتهاد واستخلاص أحكامها لدى كثير من طلاب العلم، وتوفير تعدد الخيارات في الاجتهاد بالأحكام القضائية وهو أهم أهداف المدونة. كسر حاجز مخاوف التدوين تؤكد وزارة العدل من خلال مجموعة الأحكام القضائية أن مدونة الأحكام في حقيقة أمرها هي مبادئ وسوابق قضائية كسرت حاجز مخاوف التدوين وكشفت عن أحكام ونماذج قضائية بقيت لعقود حبيسة سجلات المحاكم ليستفيد منها كل مهتم بالشؤون العدلية، وأن مدونات الأحكام وضعت في سياق الاستئناس بها، فحكمها خرج مخرج القناعة لا الإلزام بعد استيفاء ضمانات التقاضي المتاحة لها، وأخرجت عند وجود الفراغ الإجرائي ليكون للقضاء سوابق قضائية وهي من مميزات القضاء في الدولة الحديثة. وأكدت العدل أن نشر الأحكام القضائية يساعد المجتهدين من القضاة في إصدار الأحكام، لا سيما أنها تراعي التحول العصري، وأن هذه المدونات التي عارضتها بعض الدساتير التي احتجت أنها تأثر على آراء المجتهدين معتبره أنها تفتح الآفاق لهم، وهو ما ميز نظام القضاء الحديث عن سلفه السابق. الوصول إلى المدونة أوضحت وزارة العدل أن اختيار وتدوين الأحكام يصل للمدونة من جميع محاكم المملكة، وذلك بأحد طريقين إما بإرسالها من القضاة في المحاكم إذا رأوا في أحكامهم ضرورة للعرض والتدوين أو عن طريق باحثي الإدارة، حيث يقومون بزيارة المحاكم والاطلاع على السجلات واختيار الأحكام المطابقة لمعايير التدوين من القرارات والأحكام القضائية النهائية مكتسبة القطعية الصادرة عن المحاكم وتصنيفها ونشرها عبر وسائط ورقية وإلكترونية.