في منتصف التسعينات من القرن الماضي، تسلم الحكم في دولة قطر الشقيقة الشيخ حمد بن خليفة في «انقلاب أبيض على أبيه»، وتزامن ذلك مع بداية قناة الجزيرة بثها في قطر. هذا التغيير لم يكن يعني حينها أحداً من أشقائهم الخليجيين أو من محيطهم العربي كونه شأناً داخلياً. وما هي إلا فترة لم تطل لينقلب «صبيح جني» على قول المثل الدارج، وهنا لي بعض الوقفات والتأملات في أعقاب الأزمة التي حدثت مع دولة قطر من قبل أربع دول عربية: - لا يمكن فصل قناة الجزيرة عن قطر النظام لأخلص منها إلى معادلة لن تكون رياضية بل «قطرية» (قطر النظام = الجزيرة القناة، والجزيرة القناة = قطر النظام). - خلت حكومة قطر في تشكيلها ذلك الوقت من وزارة الإعلام اقتداء بالدول المتقدمة، وبنقاء وحسن ظن أيقنا أن هناك توجها إيجابياً، لنكتشف أن هذه الخطوة جاءت للرد على منتقدي الجزيرة القناة، بأن ليس لدينا وزارة إعلام، إن الإعلام لدى قطر حر، وليس ثم خطوط حمراء، صرح بهذا في أكثر من مناسبة رئيس الوزراء السابق الشيخ حمد بن جاسم. لكن قناة قطر الرسمية مثل كل أخواتها في الخليج بذلك الوقت «وكلنا عيال قرية كل واحد يعرف وخيه». - قلت لم تطل الفترة على قناة الجزيرة لتبدو بطرح إعلامي غير مسبوق ولعل لإرثها الإعلامي السابق في المملكة المتحدة علاقة بذلك، تسيدها إعلاميون منهم «قوميون متقاعدون، وإسلاميون قاعدون»، لكن لم يَغبْ عن المتابع المستقل التناقض الذي تبدو عليه قناة الجزيرة ولو بقناع من المهنية «الزائفة»، وتناقضاتها العديدة سأكتفي منها ببعض النقاط على سبيل المثال لا الحصر منها: • تبث كلمات مسجلة لقادة القاعدة وطالبان في أفغانستان وفي جزيرة العرب، في الوقت الذي تسمع فيه أزيز الطائرات من قاعدة العديد والمتجهة لضرب طالبان والقاعدة في أفغانستان، ومراسلها تيسير علوني هناك يبدو وكأنه «الناطق الرسمي» باسم القاعدة وطالبان، نفس الحال تكرر في العراق، بدت القناة بصوت مذيعها «ماهر عبدالله» رحمه الله، بدا وكأنه الناطق الرسمي باسم صدام حسين، وذات الطائرات تنطلق من قاعدة العديد على مرأى ومسمع من فريق التحرير لذات القناة. • تتالت التفجيرات في المملكة فيما بين 2002 – 2007 من القاعدة، وسالت دماء أبرياء كثيرة، والجزيرة مستمرة في بث تسجيلات لقادة القاعدة في جزيرة العرب. وكان السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف لهذه الأشرطة أن تصل من تورابورا ومن قادة القاعدة في المملكة – جزيرة العرب – الاسم الأثير عند قناة الجزيرة أحياناً. أقول كيف لها أن تصل من دون أن يعرف المرسل والمرسل إليه، (في الأمر شكوك)، في حين تتم المتابعة والملاحقة من خلال الشبكة العنكبوتية لهذا التنظيم.. ومراقبة دقيقة لحركة الأموال وتدفقها. الجزيرة القناة أجرت مقابلة مع الجيلاني – قائد جبهة النصرة المصنفة إرهابية (في الأمر شكوك). • كثيرة هي البلدان التي تعرضت لأعمال إرهابية وكان للمملكة النصيب الوافر، لم يكن تناول الجزيرة القناة «تناولاً مهنياً»، إذ لا تعطي الحدث ما يستحقه من إعادة وتحيلات. وضيوفها التي تستضيفهم يقول بعضٌ ممن ظهروا على شاشتها أنها توعز لهم بالإجابة، أو أن المحاور يستدرج الضيف ويوحي له بالإجابة. والكاتب أحمد الربيعي يرحمه الله لم تستضفه بعد لقاء معه قال ما لا ترغب في سماعه قناة الجزيرة. • قطر النظام يدعم حماس – وفي ذات الوقت يستقبل شمعون بيريز بحفاوة بالغة وتقدم له الهدايا الثمنية، وتفتح إسرائيل مكتباً لها في الدوحة يقولون إنه «مكتب تجاري»!! • كان من أدبيات القاعدة «أخرجوا الكفار من جزيرة العرب» لكن عندما حلوا في «شبه جزيرة العرب الصغيرة» اختفت هذه المطالبة، ولم يحدث أي تفجير في قطر رغم وجود القاعدة وما يزيد عن عشرة آلاف جندي له حرية الحركة اللامحدودة في قطر. • دأبت الجزيرة القناة على مناكفة مصر والسعودية وتضخيم السلبيات وغض الطرف عن الإيجابيات وبخاصة المملكة – لا ترى من هذا البلد الكبير إلا الربع الفارغ من الكأس وتتعامى عن الأرباع الثلاثة التي تملأ الكأس. • عام 2011 بدأ ما يسمى بالربيع العربي من تونس – مصر – ليبيا – اليمن – سورية.. وكانت التغطية من قناة الجزيرة منحازة للثوار لا تخفي أمانيها بنجاحهم ونجاح ثوراتهم في كل الأقطار. وكل هذا بعلم قطر النظام، وذلك متناغم ومتسق مع تطلعات جماعة الإخوان المسلمين الراغبين في الحكم والوصول إليه ابتداء من مصر، لكن مصر كانت عصية على ذلك. جماعة الإخوان ومبادئهم الخمسة «التكوين، التمكين، الحكم، الخلافة، إعلان الأستاذية على العالم» تلاقت مع طموحات وأماني «الحمدان» بن خليفة وبن جاسم. بعد كل ذلك أزيحت الستارة وتكشفت الأقنعة ليدرك العامة حجم المؤامرات التي قادها «الحمدان» لتنفيذ «الفوضى الخلاقة»، وكان من بعض أمانيها تفتيت السعودية «شقيقة قطر الكبرى» والإثباتات لم تعد تخف بل تعج بها وسائل الإعلام الجديد مما أحدث صدمة عند شعوب الخليج كافة. هذا فضلاً عن المؤامرة على البحرين وتقويض نظامها حتى ولو سالت الدماء، هذه كانت أمنيتهما أعني – الحمدان – لكن درع الجزيرة كان لهذا الحلم بالمرصاد، ولم تشارك فيه قطر إلا برمزية لا تذكر. • باختصار: مؤامرات «الحمدان» فعل «يسود الوجه» وهما في سدة الحكم. نأمل ونطمح أن نرى في تصرفات «الشيخ تميم» الأمير الحالي ما «يبيض الوجه»، والشعب القطري والسعودي وكل شعوب الخليج لن تفرقها السياسة، حيث الدين الواحد، والنسيج الاجتماعي الواحد، واللسان الواحد، والجغرافيا الواحدة. أما جماعة الإخوان المسلمين، فليس لي إلا ترديد مقولة لأحد المغردين: «لولا جماعة الإخوان المسلمين لكان المسلمون إخوانا».