شن الباحث الدكتور سعد الصويان الفائز مناصفة (مع الدكتور عبدالرحمن الأنصاري) هجوما على منتقديه الذين يعتبرون تناوله ثقافة الصحراء والشعر تحيزا للقبلية وللهجة العامية، عادا ذلك جزءا من التجربة الإنسانية التي يحرص العلم على رصدها وتوثيقها. ووصف المؤرخ أمين مدني، بأنه كان صاحب بصيرة حمل بين أضلعه هم الأمة العربية، وهو من أوائل من قرعوا جرس الإنذار وبادروا بالحفر في ركام الماضي وتهيئة الأرض لوضع أسس جديدة للبناء الحضاري والمعرفي. إلى نص الحوار مع أحد أبرز وأهم المشتغلين على الأنثروبولوجيا في الجزيرة العربية: الاعتقاد الخاطئ منذ عقود عرفتم في الساحة العلمية والثقافية بمنافحتكم عن الموروث الشعبي، أدبا وشعرا وما إلى ذلك، وأصدرتم في هذا السياق العديد من الكتب والبحوث القيمة، ترى هل تغير الموقف النخبوي من طروحاتكم التي نادت بضرورة وأهمية الالتفات لهذا الموروث واعتماد دراسته أكاديميا؟ - من المؤسف أن البعض من القراء حالما يرى من عنوان أي كتاب من كتبي أنه يتناول الشعر النبطي أو النظام القبلي أو البداوة وثقافة الصحراء، ينصرف عنه على أساس الاعتقاد الخاطئ أنه تحيز من جهتي للقبلية وللهجة العامية، ذلك لأنهم لم يدققوا النظر في المناهج التي أوظفها ولا النتائج التي أتلمسها من وراء دراساتي. هؤلاء ينصرف انتباههم إلى الموضوع ذاته دون التدقيق في الأدوات المنهجية التي تؤطر البحث فيه والنتائج العلمية التي تتمخض عنها دراسته والرسائل الفكرية التي يحاول إيصالها. مع تزايد الوعي الفكري والعلمي، بدأ يتضح أن دراسة الآداب الشفاهية لا تعني إطلاقا الدعوة إلى العامية، ولا أن دراسة البداوة والتنظيم القبلي تعني المناداة بالنكوص إلى عصور البداوة والقبلية. ميزة الجائزة الأهلية كيف يمكن استثمار الجائزة وأمثالها في إثارة اهتمام أوسع بمفاهيم الدراسات الأنثروبولوجية للجزيرة العربية خاصة في ظل محدودية أعداد المهتمين بهذه العلوم من أبناء المكان، وفي ظل دعوات لا ترى قيمة لهذه العلوم؟ - هناك ميزتان تنفرد بهما جائزة المرحوم مدني، أولهما أنها جائزة أهلية وليست حكومية مما يمنحها ميزة الموضوعية والحيادية، فمن يفوز بها يفوز بها لأحقيته العلمية وليس لوضعيته السياسية أو قناعاته الأيديولوجية، ثم إنها الجائزة الأهلية الوحيدة التي تُمنح في مجال العلوم الأكاديمية البحتة الهواة والمبتدئون تفتقد الساحة المحلية لمراكز دراسات وأبحاث تضم باحثين أكفاء مؤهلين لمقاربة مثل هذه المشاريع البحثية التي تشتغل على ما هو شفهي، كيف يمكننا تجاوز هذا المأزق، وعدم الاكتفاء بالجهود الفردية على نحو ما تفعلون؟ - الخطوة الأولى والأهم هي الاقتناع بأهمية مثل هذه الدراسات، ثم التعامل معها تعاملا أكاديميا جادا وتوظيف المنهجيات العلمية في معالجتها وألا يترك التعاطي معها للهواة والمبتدئين. لابد للأجهزة الأكاديمية ومراكز البحوث أن تصحح نظرتها نحو موضوع الثقافات التقليدية والآداب الشفهية وأن تستبدل نظرتها الدونية لها بنظرة احترام وتقدير وتدمجها في هيكلية مناهجها الدراسية، فنحن مثلا لانجد في جامعاتنا أي أثر للتخصص في مجالات الدراسات الفلكلورية والأنثروبولوجية وهي من التخصصات المحترمة في الجامعات العالمية ذات الشأن. دور الأبقار والإبل في تشكيل الثقافة ما أهم الآليات التي ترون أنها يمكن اللجوء إليها لتحقيق رصد علمي فاعل لتحليل التاريخ الشفهي للجزيرة العربية؟ - هناك ذخيرة معتبرة من الأطر النظرية والأدوات المنهجية للتعامل مع مواد الثقافة التقليدية والأدب الشعبي والتاريخ الشفهي، مثل المنهج التاريخي الذي يتتبع مراحل تطور الظاهرة الإنسانية وظيفيا ولغويا وفنيا عبر العصور في نفس الرقعة الجغرافية، والمنهج المقارن الذي يقارن بين مختلف تجليات الظاهرة نفسها في مجتمعات مختلفة. وهناك أقسام علمية مكرسة للتعامل مع هذه المواضيع في جامعات العالم المتحضر. يمكننا الاستفادة من هذه الأدوات وتكييفها بما يتمشى مع واقعنا المحلي. فقد استفدت من حيث المقارنات المكانية من الدراسات الفلكلورية التي أجريت على الفنون القولية في مختلف المجتمعات التقليدية لتحديد وظيفة الموروث القولي في تلك المجتمعات.