عند ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام معظم البشر هذه الوسائل، توقّع الجميع أن تكون أداة لترابط المجتمعات وتقارب الأرحام، وتقوية لأواصر المحبة والمودة، ولكن للأسف أصبحت هذه المجتمعات -بفعل هذه التقنية- أكثر تباعدا وتنافرا وانعزالا، وافتقرت إلى التواصل العاطفي، ومشاعر الألفة والمودة التي كانت تزكو بها لقاءاتها، وأخص مجتمعنا السعودي. أصبحت وسائل التقنية الحديثة تغني عن الزيارات والالتقاء بالأقارب والأرحام، ومع من يحبون من أصدقاء وزملاء. التهاني والتبريكات والمعايدات، وحتى المواساة، أصبحت لا تكاد تتجاوز هذه الوسائل التي بين أيدي الناس. كثير من الأقارب والأرحام يسكنون في منطقة واحدة، ولا تبعد منازلهم عن بعضهم بعضا إلا بضع كيلومترات، ولا يكادون يجتمعون إلا في الأعياد والمناسبات الكبرى، أو من باب الصدفة، وهم ممن تربطهم صلة رحم، مكتفين بالتواصل عبر هذه العوالم الافتراضية، مع إدراك الجميع أهمية صلة الرحم، فهي من أعظم أسباب دخول الجنة: عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رجلا قال يا رسول الله: أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم» رواه البخاري ومسلم. قبل وسائل التواصل الاجتماعي، كنا نحرص على حضور المناسبات والالتقاء بمن نحب، سواء كانوا أقارب أو أصدقاء، وفي هذه الاجتماعات نتجاذب أطراف الحديث، ونسأل عن الأحوال، ويطمئن بعضنا على بعض، حتى صغار السن في حضورهم يحصلون على النصائح والتوجيهات، والاستفادة من تجارب كبار السن. أما في وقتنا الحالي، أصبح الجيل الجديد يفتقر إلى هذا النوع من التواصل، وأصبح في عزلة داخل أسوار عالمه الافتراضي، وللأسف صرنا نسمع كثيرا من الشكاوى من الآباء والأمهات من أبنائهم عندما يلتقون بهم، فقط يحضرون جسدا بلا روح، لقاء بلا معنى، فالكل متقوقع على ذاته، منكفئ في عالمه الخاص. وسائل التواصل الاجتماعي لا يخفى على أحد أنها أحدثت نقلة كبرى ثقافية ومعرفية واجتماعية، ولها ميزات كثيرة وفوائد جمة، ولكنها لا تغني عن التواصل الحقيقي الذي يعكس حقيقة المشاعر، ويرسخ المودة، ويقوي لبنات المجتمع، وهذه الثمار لا تكون بطرق أجهزة التواصل، وإنما بطرق الأبواب.