فرصة أخيرة وجدها بعض حجاج بيت الله الحرام أمس لا لرمي الجمرات، فهم رموها بالفعل، ولكن للتشفي ب"الشاخص" مكتفين بالتفرج على باقي الحجيج من غير المتعجلين وهم يقذفون حجارتهم صوب "حوض الشيطان". حلقتان واضحتان حول حوض الجمرات، الأولى تأخذ شكل دائرة من المتفرجين الملاصقين للحوض، والأخرى أوسع حولهم، أما المفارقة فهي أن الحصى يطير من وراء المتفرجين ليتجاوز رؤوسهم ويسقط في الحوض. جمهور من المتشفين، رجالا ونساء، بدا بعضهم كأنه يتمنى لو أعطي فرصة أخرى لرجم إبليس اللعين، ولكنها فرصة أيضا للدعاء من نزغات الشياطين مع عدم الانشغال بتجميع الحصى ورميه. أصوات الحصى المتعالية لم تمنع حاجا أنهى نسكه من الالتصاق بالحوض متفرجا.. مضى الوقت فغلبه النعاس فنام، ورفع مظلته ليس حماية من الشمس غير المؤذية أمس، بل من الحصى المحلق من خلفه. المقبل إلى الجمرات تتنامى إليه أصوات دعوات الحجيج الرامين مختلطة بارتطام الحجارة من مسافة بعيدة، إلا أن الصوت حول الحوض أعلى بكثير، ورغم ذلك فإنها أصوات، بالنسبة إلى "الحجاج المتشفين" أقرب إلى بيت الأصمعي الشهير: صوت صفير البلبلِ، هيج قلبي الثملِ.