منذ نشأة الخليقة حتى يومنا هذا، فإن آداب السلوك والتصرف سمة إنسانية يتمايز بها بنو البشر عن سائر المخلوقات، لما تحلى به هؤلاء «البشر» من عقل يزن كل ما يصدر تجاه الغير. السلوك والتصرف مرتبطان بالمجتمع والأعراف والتقاليد، وهما امتداد لها، لذا نجد كل أمة من الأمم لها سلوكياتها المختلفة عن سلوكيات الآخرين، ولكنها في نهاية المطاف تعبر عن رابط إنساني يجمع البشر. آداب السلوك والتصرف يكتسبها الفرد بالتربية على صعيد الأسرة والمجتمع، فإذا ما كانت التربية فاضلة في مجتمع ما زال التقليد والانتماء قاعدة له، فإن الإنسان سيكون راقيا في سلوكياته تجاه الغير، وبناء على هذه السلوكيات سيرسم لذاته شخصية متمايزة بالرفعة والاحترام، يعكسه احترامه للآخرين، ومراعاة الرابط الإنساني تجاههم. فحين ينخرط الفرد بين أنماط مختلفة من البشر تنكشف أمامه الأمور، فإما أن يكتسب اللياقات والتهذيب، وإما أن يكتسب السلوكيات المنحرفة على صعيد الأخلاق واحترام الآخرين، والعمل بمقولة لكل مقام مقال وسلوك، فالتربية هي أساس السلوك، وغالبا ما يكتسب الفرد السلوك بالتعليم والتدريب الخاضع في الوقت ذاته للتهذيب، والهدف منها اكتساب جملة من التصرفات التي تنم عن لياقة واحترام للذات والرفعة والكيان بين الآخرين، ممن يود التمثل والتحلي بالسلوك الحميد. فاحترام الذات من خلال السلوك الجيد مع الآخرين، يفرض تقدير واحترام المحطين له. وللسلوك بعدٌ فلسفي عرفه الفلاسفة منذ القدم، بالانكشاف أمام الذات، ومعرفة ما لها وما عليها، وهو ذات ارتباط بالأخلاقيات التي يتربى عليها الفرد، وبقدر ما تكون هذه الأخلاقيات رفيعة، بقدر ما ستكون آداب التصرف أكثر رفعة تسمو به، وتجعله المثال بين الأفراد ممن قد يحسدونه على سلوكياته الرفيعة التي اكتسبها منه، ولكن للحظات تعود بهم الحال إلى سابق عهدها، وهذا يأتي جراء عدم تميزهم أساسا بأخلاقيات وسلوكيات اكتسبوها في الصغر. في الجانب الآخر، عدّ علماء الاجتماع أن التجارب والانخراط مع الآخرين ضمن نسيج اجتماعي واحد، يحرص على المبادئ والتقاليد الواحدة، تعلّم الفرد حسن اختيار الأسلوب الأمثل في كيفية التعامل مع الآخرين، وإقامة علاقات إيجابية يسودها الود والاحترام. إن الرقي الاجتماعي والانتماء الحضاري الثقافي الخاص بالفرد يقوم على ركيزتين في غاية الأهمية، هما: السلوك، والتصرف، وهذان يحتاجان إلى تفاعل عاطفي وفكري حتى ينبع الإحساس والتعاطف تجاه الآخرين، وهذا التفاعل يعتمد على نشاط العقل والقلب معا، في إطار عملية تهذيب وتدريب يخضعان لها، ومتى ما وجد هذا التفاعل الإيجابي، انعكس ذلك على تصرفات وسلوكيات الفرد، بالتالي سيستشعرها المحيطون به، ويتلمسونها بقلوبهم قبل عقولهم في أجمل صورة إنسانية.