بعد مرور أكثر من عام على تطبيق القرارات الاقتصادية الإصلاحية في دول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة تراجع أسعار النفط، ظهرت مؤشرات تظهر عدول بعضها، لا سيما الكويت وعُمان، بشأن تعديلات على أسعار الوقود. ويضم مجلس التعاون، والذي يضخ نحو خمس معروض النفط العالمي، ويعتمد على العائدات النفطية في تمويل إيرادات موازناته، كلّاً من السعودية وقطر والإماراتوالكويت والبحرين وسلطنة عمان. واتخذت أغلبية الدول الخليجية، حزمة إجراءات غير مسبوقة لخفض الدعم عن مواد أساسية، بينها الوقود والكهرباء والمياه لسد العجز في موازناتها، وخفض الإنفاق في مواجهة تراجع المداخيل النفطية. ومن بين الإصلاحات، ترشيد الإنفاق والاندماجات، والتوجه لفرض ضرائب، خاصة ضريبة القيمة المضافة عام 2018. الإصلاحات الاقتصادية كان مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي، ألغى الأسبوع الماضي قراري زيادة أسعار الوقود والتعرفة الجديدة للكهرباء والماء، فيما أوصى الشورى العماني في وقت سابق بتثبيت أسعار الوقود. وفي نوفمبر الماضي قررت الحكومة السعودية إلغاء العمل بالرسوم الجديدة على العمرة، والتي أقرها مجلس الوزراء في وقت سابق، ضمن مبادرة قدمتها وزارتا المالية والاقتصاد والتخطيط لتعزيز الإيرادات في عصر النفط الرخيص. وقبل أيام جددت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد، دعوتها دول الخليج إلى مواصلة الإصلاحات الاقتصادية لمواجهة تراجع أسعار النفط. وقالت لاجارد، في مؤتمر بدبي الأسبوع الماضي، إنه ينبغي أن تطبق دول مجلس التعاون الخليجي مزيدا من الإجراءات لخفض العجز في موازناتها تدريجيا، من خلال تنويع مصادر الدخل بهدف مواصلة تقديم الخدمات لمواطنيها وتحقيق استدامة التمويل. تأثيرات سلبية قال الخبير الاقتصادي الكويتي عدنان الدليمي، إن إلغاء أية قرارات من جانب بعض الدول الخليجية، لا سيما الكويتوعمان، يحد من خطة الإصلاح الاقتصادي حاليا، وسيكون له تأثيرات سلبية على اتخاذ إجراءات مثيلة في المستقبل. وقررت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية البرلمانية بمجلس الأمة (البرلمان) الكويتي، الأحد الماضي، إلغاء قراري زيادة أسعار الوقود والتعرفة الجديدة للكهرباء والماء، الذي أقره البرلمان السابق. وأقر البرلمان السابق في مايو الماضي، قانونا يقضي بزيادة تعرفة الكهرباء والماء بنسب متفاوتة، لكنه استثنى السكن الخاص الذي يقطنه الكويتيون من هذه الزيادة التي ستطبق خلال 2017 على القطاعات الأخرى. وتضررت الكويت (عضو في منظمة أوبك) بشدة، بسبب هبوط أسعار النفط، وتعتمد ميزانيتها بنسبة 90% على الإيرادات النفطية. وقالت مقررة اللجنة النائبة صفاء الهاشم للصحفيين، بعد اجتماع اللجنة مع وزير المالية أنس الصالح، إنه لا تجوز زيادة الرسوم والتكاليف المالية المقررة للسلع والخدمات والمنتجات المدعومة التي تقدمها الدولة للمواطنين، إلا بقانون صادر من مجلس الأمة مع تثبيت أسعار الوقود لما كانت عليه قبل الأول من سبتمبر 2016 دون أثر رجعي. وكانت المحكمة الإدارية بالكويت قد أصدرت في سبتمبر الماضي حكما بإلغاء قرار مجلس الوزراء بشأن زيادة أسعار البنزين. وقبل أسبوعين أوصى مجلس الشورى العُماني بتثبيت أسعار بيع أنواع الوقود الثلاثة لجميع المستهلكين في البلاد، فيما كلفت الحكومة الجهات المختصة لاستكمال إجراءات دعم بعض فئات المجتمع، بسبب تحرير أسعار بيع الوقود في البلاد. وبدأت عُمان، تحرير أسعار الوقود اعتبارا من يناير 2016، واعتماد آلية للتسعير شهريا، وفقا للأسعار العالمية، في مسعى لإصلاح منظومة الدعم لمواجهة الضرر الذي أصاب المالية العامة. ويشمل قرار تحرير الأسعار، مادتي البنزين (المستخدم كوقود للسيارات) والديزل. واستبعد الدليمي توجه دول أخرى في الخليج نحو إرجاء أو إلغاء قرارات إصلاحية اتخذتها في السابق، لا سيما بعد أن قامت بالتنفيذ على أرض الواقع مثل الإمارات وقطر والسعودية والبحرين. مراجعة مطلوبة اعتبر الخبير الاقتصادي وضاح ألطة (عراقي مقيم في الإمارات)، أن العدول عن بعض القرارات يأتي كنوع من المراجعة المطلوبة في إطار خدمة المصلحة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. وأضاف ألطة: «أحيانا ما تكون مثل هذه القرارات إستراتيجية، استجابة لطلبات المواطنين في إطار التخفيف عن كاهلهم، خصوصا أن السبب وراء التطبيق هو تدني العائدات النفطية». وطالب بلجوء الدول الخليجية التي قد تضطر للعدول عن قراراتها الاقتصادية، إلى تبني حل وسط من خلال التطبيق التدريجي بما يؤثر على المواطنين. حالات فردية قال الخبير الاقتصادي والمدير العام لشركة نماء للاستشارات المالية (خاصة) طه عبدالغني، إن تأجيل أو إلغاء بعض القرارات الاقتصادية في الخليج يبقى حالات فردية تركز على قرارات بعينها، مثل تحرير الوقود، ولا يعتبر توجها بعيدا عن خطط الإصلاحات غير المسبوقة في تاريخ المنطقة. وأضاف عبدالغني: «لكل دولة ظروفها الخاصة في العدول عن أي قرار قد تراه غير مناسب لها».