اتهم الأستاذ المشارك وعضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية، مشرف صالون الوادي المبارك، بنادي المدينةالمنورة سابقاً، الدكتور هاني فقيه، عددا من المفكرين العرب بالسير على خطى المعتزلة في تشويه السيرة النبوية بتضييق آفاق الخوارق والمعجزات النبوية وإنكار بعضها، مطالبا بالتصدي لأفكارهم بإخراج مؤلف شامل للسيرة النبوية، إذ ما زالت السيرة النبوية بدون منهج تقاربي، جاء ذلك في المحاضرة التي نظمها أدبي المدينةالمنورة أول من أمس، تحت عنوان "دراسة السيرة النبوية قضايا وإشكالات"، قدم لها الأستاذ فهد السليمي. إرضاء المنهج قال فقيه، على خطى المعتزلة والمستشرقين في موقفهم من السيرة النبوية، سار أتباع المدرسة العقلية الحديثة على رأسهم مشاهير المفكرين العرب، من بينهم عباس محمود العقاد في (عبقرية محمد)، ومحمد حسنين هيكل في (حياة محمد)، ومحمد عبده، الذين تناولوا السيرة النبوية بتوجه فكري يسعى إلى التوفيق بين نصوص الشرع وبين الحضارة الغربية، من خلال تطويع النصوص وتأويلها بما يتلاءم مع المفاهيم العقلية والحياة العصرية، منكرين معجزات ثابتة تتعلق بها أحكام شرعية إرضاء لمنهجهم التقاربي مع التيار المادي، وذهب المحاضر إلى أن عددا من المفكرين العرب شوهوا السيرة النبوية، بقراءاتهم العقلية للمعجزات التي جرت على يد النبي، صلى الله عليه وسلم، بميلهم إلى تضيق نطاق المعجزات والخوارق في السيرة، تأثرا بالتيار المادي الذي يسود الحضارة المعاصرة، ومن هنا جاء إقحام العقل في المسائل الغيبية، موظفين السيرة النبوية لخدمة أغراضه وأهدافه، فمنهم من صور النبي صلى الله عليه وسلم، كإصلاحي عظيم (مصلح اجتماعي)، ومنهم من صوره كبطل عسكري، ومنهم من صوره كقائد ملهم، أو فيلسوف عبقري. التأويل العقلي أرجع فقيه قيام المفكرين الجدد في تضييق وإنكار المعجزات في منهجهم، إلى دعواهم لاتباع الطريقة العلمية الحديثة في قراءة السيرة النبوية، مما أوقعهم في آراء شاذة ومنكرة، إذ حتى المعجزات والغيبيات التي أوردها القرآن الكريم كالإسراء والمعراج، وقصة أبرهة الحبشي الذي صده الله عن هدم الكعبة بالطير الأبابيل، أعملوا فيها التأويل العقلي، حتى توافق المألوف، وزلّت فيه أقدام كثير ممن كتب في السيرة النبوية في هذا العصر، وكان من أبرز من تولى كبر ذلك رواد المدرسة العقلية الحديثة، أو ما يمكن تسميته بالاتجاه التوفيقي في كتابة السيرة النبوية، وهو الاتجاه الذي حاول التوفيق بين معطيات الدين الإسلامي ومعطيات الحضارة الغربية الحديثة. سياحة الروح استعرض فقيه عددا مما سماها منكرات المؤلفين الجدد في السيرة، مشيرا إلى أن مسألة المعجزات من أكثر قضايا السيرة النبوية التي تعدى عليها الكتاب الجدد للسيرة بإنكارها أو التشكيك في صحتها أو تأويلها حتى تصبح من قبيل المألوف، فالطير الأبابيل تُؤُول بالميكروبات والجراثيم، والملائكة التي أمد الله تعالى بها المؤمنين في غزوة بدر تفسر بالمدد المعنوي، ورحلة الإسراء والمعراج، يقولون إنها بالروح لا بالجسد، وتُؤُول بوحدة الوجود وسياحة الروح. التشكيك في التدوين، وإذا كان كتاب السيرة القدماء يكتفون بسرد أحداث السيرة النبوية ولا يهتمون بالتحليل والاستنباط إلا قليلا منهم، فعلى العكس من ذلك، ذهب كثير من الكتاب المعاصرين الذين قطعوا أشواطا بعيدة في تحليل أحداث السيرة، واستنباط الدروس والعبر منها، متأثرين بشبه المستشرقين، وآراء المعتزلة، وكانوا جسراً يسير فوقه المعاصرون الجدد في إثارة الشبه نفسها حول السيرة النبوية، ومن ذلك التشكيك في صحة الأحاديث، واعتقاد وضعها على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما شككوا في دقة التدوين وكتابة الأحاديث النبوية، وبالغوا في النتائج المترتبة على تصحيح العلماء، لرواية حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمعنى.