في الوقت الذي يحتفل فيه النظام السوري والميليشيات المقاتلة معه، بتطويق كامل مدينة حلب، بدأت صراعات روسياوإيران تلوح في الأفق، بعد أن كانت طي الكتمان في الآونة الأخيرة. ورغم محاولات طهران الحثيثة لنفي وجود أي خلافات بين الجانبين، إلا أن تهديدات موسكو الأخيرة، بقصف أي جهة تعرقل عملية إجلاء المدنيين من شرق حلب، وإن كانت من طرف ميليشيات النظام وإيران، أكدت صحة هذه المعلومات. ويرى محللون روس أن الخلافات المحتدمة بين الجانبين زادت وتيرتها بعد التقارب التركي الروسي الملحوظ، والتعاون الوثيق بينهما في عملية احتواء أزمة حلب، الأمر الذي ترى فيه طهران تهميشا لدورها، وانحسارا لنفوذها على الأرض السورية. وأكد المحللون، أن مرحلة ما بعد سقوط حلب، اعتبرت هي المرحلة التي أبانت تلك الخلافات، حيث إن الأخيرة ترغب بكل ما أوتيت من قوة تحقيق انتصارات على مختلف الجبهات السورية، ولا تكترث بالعملية السياسية، بسبب تركيزها على تحقيق أجندتها الخاصة، وإصرارها على بقاء الأسد، فيما ترى روسيا أن المسألة لا تقتصر على شخص معين بذاته، بقدر ما تريد الحفاظ على مؤسسات النظام لتكون قائمة حتى لو رحل الأسد. ويتوقع الخبراء أن تكون المرحلة المقبلة من أشد المراحل في الأزمة السورية، وستخرج الخلافات الروسية الإيرانية إلى العلن أكثر، وربما يؤدي ذلك إلى حدوث صدام مباشر. خطط التخلص من إيران ترى روسيا في ميليشيات إيران التي تقاتل بالوكالة على أرض سورية، عبئا ثقيلا وهما كبيرا يجب التخلص منه لبدء التسوية السياسية في البلاد. وفي تحرك اعتُبر أولى الخطوات للتخلص من تلك الميليشيات، بدأت روسيا في حشد الشباب وتجنيدهم لتشكيل ما يعرف ب"الفيلق الخامس - اقتحام"، وأولت اهتماما بالغا بتشكيل هذا الفيلق، لدرجة إرسالها نائب رئيس هيئة أركانها، فلاديمير بابوف، لحضور اجتماعات مغلقة مع مسؤولي النظام في مدينة اللاذقية السورية دون أي دور إيراني يذكر. التوجس الإيراني فيما تحدثت الأنباء عن وجود نوايا روسية بضم 100 ألف عنصر في هذا الفيلق الجديد، لفت مراقبون إلى وجود امتعاض إيراني من هذا التحرك، دون إشراك خبرائها ومقاتليها، وهو ما ظهر في وسائل إعلامها الرسمية، بحيث اكتفت بعرض الخبر دون تعليق، في مؤشر على تخوف طهران من الاستغناء عن ميليشياتها، والاعتماد على نواة هذه القوة. وفي حال مضت موسكو في تطبيق نواياها على الأرض السورية، من خلال الاعتماد على قوات برية عربية، تحافظ على مسك الأرض بعد تطويقها، فإن ذلك سيعتبر ضربة موجعة لإيران، وهزيمة نفسية ومادية لكل الحروب التي قادتها في المنطقة، خصوصا أن التقارير الغربية تؤكد أن سورية تعتبر العمق الاستراتيجي لها أكثر من العراق واليمن ولبنان، فيما أنهكت تلك الحروب التي خاضتها بالوكالة، كاهلها الاقتصادي والبشري في وقت تعتبر فيه البلاد بأمس الحاجة إلى الموارد المالية. ثمن البوابة العربية تؤكد التقارير الميدانية أن سعي روسيا في إنشائها للقوة العربية، واستبعاد الميليشيات الإيرانية، سيكون ثمن دخولها إلى المنطقة العربية، التي ما فتئت شعوبها ترفض التدخلات الفارسية في قراراتها السيادية، في وقت توجد فيه مخاوف من عرقلة إيران لتشكيل هذه القوة، واعتماد سياسة لي الذراع مع موسكو، بتوفير القوة الأرضية المكونة من الميليشيات تزامنا مع الغطاءات الجوية الروسية. كما أنه لا يتوقع أن تفرط إيران في الجسر السوري الذي يمكّنها من تنفيذ مآربها في المهيمنة على المنطقة، ابتداء من العراق ووصلا إلى سواحل البحر المتوسط، ولو شارف اقتصادها على الإفلاس، وهو ما يرفع بدوره احتمال المواجهة المكشوفة بين الجانبين.