انتشرت مهنة الخطابة في العديد من مناطق المملكة، إلا أنها تكاد تكون معدومة في المجتمعات القروية والريفية، والتي ترفضها، ولا تعترف بدورها، لاعتبارات اجتماعية، حيث تتم كل الزيجات بالصورة تقليدية عن طريق الأهل المقربين. فيما بدأ آخرون بمزاولة تلك المهنة، في ظل عدم وجود الخاطبة، مؤكدين أنها سوف تحل الكثير من مشاكل العنوسة، وستفتح الكثير من البيوت التي تقام على التوافق بالحلال. نهى محمد تحكي تجربتها التي قامت فيها بدور خاطبة لشقيقتها، ولكن في محيط أسري ضيق، فتقول "تزوجت قبل أختي التي تكبرني ببضع سنوات، ووجدت أن زواجي قد انعكس سلباً على حالتها، حيث كانت شديدة الارتباط بي، وكانت هي الأجدر بالزواج على قائمة ترتيب أولويات الأسرة، وهكذا ترتيب المجتمع لدينا، فسعيت لتزويجها دون علمها". وأضافت أن "الفرصة كانت مواتية، إذ قام شقيق زوجي بمساعدتي في إيجاد العريس المناسب لها، ولكني لم أكرر التجربة، ولو سنحت الفرصة لفعل مثل تلك الخطوة المباركة لن أتردد". أما رقية سالم فتقول "خطبتني زميلتي لشقيقها، ولعبت دور الخاطبة رغم عدم اتخاذي لقرار في هذا الشأن، وعبثا حاولت إقناعي بالزواج من أخيها، إلا أن فوارق كثيرة كانت تحول دون إتمام ذلك المشروع، لعل من أهمها بالنسبة لي فارق المستوى التعليمي، ولكوني يتيمة الأب، وجدت أن العمر سيمضي، وأن ما هو متاح أفضل من طول الانتظار فوافقت، وأنا اليوم سعيدة، وأحمل لأخت زوجي "الخاطبة" جميلاً لن أنساه"، مشيرة إلى أنها أسمت مولودتها الأولى على اسمها عرفانا، وأن هذا أقل أجر تقدمه لخاطبتها. وأكدت رقية عدم وجود خاطبات في منطقة جازان، وأن هناك العديد من زميلاتها يبحثن عن أزواج، ولكن المجتمع لا يعترف بهذه المهنة الشريفة، والتي لها أجر عظيم عند الله. أما منى أحمد فتقول "أؤمن بالقسمة والنصيب، وأنحاز لطرقنا التقليدية في الزواج، وأنا جامعية وأعيش في أسرة متحضرة في كثير من الجوانب، ولا أرضى أن أكون كسلعة يقلبها الآخرون، وقد تلقى القبول، وقد تلقى الرفض، وفي مثل هذا الوضع أرى فرصتي في اتخاذ القرار شبه مستباحة، ناهيك عما قد تتعرض معلوماتي إذا وقعت بين يدي من لا يخاف الله سواء كان رجلا أو امرأة". من جانبها تقول المعلمة زينب علي إنه تكثر حاجة المجتمع للخاطبة لدى الأسر التي لديها فتيات يعشن في وضع اقتصادي غير مستقر، في حال انعدم وجود عائل بسبب وفاته، أو غياب دوره لأي سبب آخر كالإدمان أو الطلاق والانفصال عن الأم، وهنا تكون الخاطبة مطلبا ملحا لمثل هذه الفئة من المجتمع، وهو دور عظيم هنا بكل معنى الكلمة". وطالب الأكاديمي عضو هيئة التدريس بجامعة جازان محمد علي معشي بإيجاد جمعية للخطابين والخطابات تتولى التنسيق والعمل على تزويج الشباب والفتيات، مؤكداً أن هناك حاجة ملحة لها، ليستفيد منها المجتمع منها بشكل عام، ودور الفتيات والسجون ومراكز التأهيل الشامل والأسر الفقيرة بشكل خاص. وأضاف أن وزارة الشؤون الاجتماعية معنية بمثل هذا الأمر، إضافة إلى الجمعيات الخيرية التي يجب عليها دراسة الفكرة، والعمل على تطبيقها وفق ضوابط تضمن نجاحها. وعن رفض المجتمعات الريفية والقروية للخاطبة قال الدكتور محمد معشي "القبول بمهنة الخطابة يعتمد بشكل كبير على ثقافة المجتمع، ومدى تقبله لفكرة الزواج عن طريق الخاطبة، وما إذا كان مؤمنا بإيجابياتها في التوفيق بين الشباب والفتيات أم لا. وأشار إلى غياب مؤسسات القطاع الخاص كالبنوك وشركات الاتصالات في دعم العمل الاجتماعي بالمنطقة، مؤكدا ضرورة إلزامها بالمساهمة في المشاريع التي تخدم المجتمع. فيما أكد أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة جازان الدكتور عبدالرحمن علوش أن وجود الخاطبات في المجتمعات القروية والريفية سيحل كثيرا من مشكلة العنوسة، مرحباً بوجود الخاطبة وفق ضوابط، بحيث تكون مختارة من عمدة البلد، أو تكون معروفة بأخلاقها الحميدة من المشهود لهن بالصلاح، مؤكداً وجودها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.