لعله من المستغرب أن تكتب رثاء أو أن تخط مشاعرك نحو من فقدت إثر فراقه بعدة أشهر، ولكن إن كانت لشخصية هذا الفقيد كل هذا التفرد والخصوصية مثلما كانت متمثلة في شخصية الشيخ حسين بن مشيط، رحمه الله، فهنا تتعدى الكلمات أن تكون رثاء تقليديا، لتصبح عبارة عن تسليط ضوء وسبر لأغوار هذه الشخصية، لكونها تستحق أن تذكر دوما بكل جوانبها، لأنها تشكل سيرة متكاملة ثرية مليئة بالكثير من العبر والدروس والتي يجب أن يستفاد منها على كل المستويات ومن كل أطياف المجتمع.. لقد رحل ابن مشيط في هدوء، ولكن رحيله وفلسفته في القيادة والعمل سيبقيان نبراسا لمن أراد أن يصنع النجاح. إن رحيله لم يكلم الأهل والأصدقاء والمحبين وما أكثرهم، ولكنه رحيل أبكى الكثير. كان الفقيد يملك كاريزما فريدة، فهو وباعتباره شيخ شمل إحدى أكبر قبائل الجزيرة العربية إلا أن أفعاله وأقواله كان ينتمي بها إلى كل القبائل، لأنه وببساطة كان دوما ينتمي ويستحضر هذا الوطن الكبير، فالقبيلة في مفهومه ليست إلا وحدة بنائية راسخة في جسد الوطن، فكان لا يسمح بأبدا أن تتعدى أدوار القبيلة خطوطا تمس وحدة وترابط نسيج المجتمع السعودي، فهو يعلم جيدا أن كان مجتمعنا في أساسه مجتمعا قبليا فإن مفهوم القبيلة وأدوارها يجب أن تكرس لتعزيز قوة ولحمة الكيان الكبير.. كان شيخ قبيلة بالمعنى التقليدي، لكنه في الوقت في الوقت نفسه رجل دولة من طراز فريد، فهو من القلائل الذين مزجوا بين هذين المفهومين بمهنية عالية ومهارة فائقة. كان من أصحاب الهمم العالية والنفوس الأبية، لا يأبه أبدا بصغائر الأمور، وتكبر في نفسه كبارها، كانت جوانب شخصيته تحمل بامتياز صفتين يحبهما الله ورسوله (الحلم والأناة)، وبهما علا شأنه وارتفعت أسهمه في ميدان النخوة والشهامة. كان كريم اليد، لطيف المعشر، يألفه ويستأنس ببشاشة وجهه الدائمة وحسن عشرته الجميع.. حسن الإنصات فتظنه لن يتكلم أبدا فإذا تكلم أنصت له الجميع.. لا يتقيد برأيه ولا يتمسك بتلابيب قناعاته، بل كان يؤمن بالحوار ويحترم الرأي الآخر، كان -رحمه الله- يضع مبدأ الشورى أساسا لإطلاق كل قراراته ومبادراته، كانت المصلحة العامة وتحقيق الفائدة للجميع تأتي على رأس أولوياته، لم يعمل دوما بكل هذا الجهد والتفاني ليصنع في حياته ما يخلد اسمه داخل إطار الفردية، بل صنع كل شيء من أجل أن يخلد اسمه داخل إطار الوطن. وأخيرا، وإن أردنا أن نوجز هذه الشخصية النبيلة فهو قبيلة اختزلت في رجل، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد الشيخ حسين بن مشيط، بواسع رحمته، وأن يخلفنا فيه خيرا.