عندما يتقدم الإنسان في العمر تتقدم معه عاداته، وتتطور خصوصياته حتى تصل إلى مرحلة لا يفهمها أقرب المقربين من أبنائه وأحفاده.. وقد يسيئون تفسير طريقة تعامله معهم على أنها ضيقة خُلق أو جفاء عاطفي. لكنها في الحقيقة مساحة خصوصية يحيطها بأسلاك شائكة تجاه كل من لم يفهم معنى (حين يصبح الشايب أسيرا لعاداته في مملكة خصوصياته) فتجده يتعامل مع أبسط أشيائه (كالريموت كنترول مثلا)، كأنه صولجانه الذي لا يسمح بأن ينازعه فيه أحد... أو قلمه ودفتره الصغير الذي يحرص على وضعه في مكانه المعهود على رفوف عادات أصبحت جزءا من شخصيته وتركيبته التي نحتها الزمن، فتبوأت مقعدها حتى صارت أقرب إليه من حبل الوريد. إن ما لا يعيه الكثيرون في شخصية الشايب التي لطف حالها.. واستعصت على الكتاب أوصافها هو شدة التباين بين أمواج العتب العاتية التي يغمر بها أبناءه وبناته بعد كل لقاء ومكالمة، (اتهامات بالتقصير وعدم السؤال وفينكم يا عيال..)، وبين نقيض آخر في شخصيته التي تبحث عن السكينة والنأي بالنفس عن مسببات الصداع ووجع الرأس وشكوى الأبناء وتذمر البنات بقصص لم يعد له عليها طاقة ولا جلد. ولعل هذا ما يفسر طريقتهم اللطيفة في إتمام المكالمات الهاتفية التي تبدأ بالبكاء على الأطلال (فينكم؟ ليه ما تسألوا؟ أنا كلمتكم! ما وحشتكم يا ولدي/ يا بنتي؟).. ثم ينهي المكالمة بطريقة مباغِتة كي يلحق أخبار التاسعة أو تلحق (مسلسل حارة اليهود والخواجة سمحون) التي يتمتعون بمتابعة أحداثها.. أكثر من حرصهم على سماع شكوى ابن أو ابنة (لم تتوقف نوازلهم ومصائبهم وقوارعهم من أيام عبدالناصر في السبعينات ومن بعده السادات)، وغلاء الأسعار وجشع التجار وأزمة سكن و{خلو رجل} حتى اشتعلت رؤوسهم شيبا في مداراة أبنائهم، والذود عن حياضهم و(إياك يثمر يا ولدي) في دنيا لم تخطر فيها على بال أحد.. إلا إذا عنده مصيبة ومحتاج سلفة أو نصيحة حتى لو كان أقرب أقربائك، أو واحدا من عيالك! ثم نلوم كبار السن في التعلق بكنترول التلفزيون أكثر من تعلقهم ببعض أبنائهم!