أذكر أنه في إحدى حلقات برنامج "في الصميم" سأل المذيع عبدالله المديفر ضيفه ناصر الحزيمي، عن أهم درس تعلمه من حادثة جهيمان ومن هذا التاريخ؟ فأجاب بعد تفكير مرّ من خلاله بشريط ذكريات انتمائه للمجموعة ورفضه فكرة اقتحام الحرم: "أهم درس.. أني ما أعطي عقلي لغيري". بنى ناصر الحزيمي تحذيره لمجتمعه على تجارب وخبرات سنين مر بها مع الجماعة، وتحدث عن التبعية المطلقة وتغييب العقل، وأنها حاصلة مع مجموعة من الشباب حاليا، حيث جرتهم لبراثن الإرهاب. من أسباب التبعية المطلقة للرموز والشخصيات هي الخلط بين التقدير والتقديس. القدسية التي غيبت العقل وتبناها البعض، منحت العصمة لهذا الرمز أو الشخصية وكأنه كائن غير بشري لا يحق مجادلته أو مناقشته، في دغمائية ومجاوزة وعدول عن الوسطية إلى التطرف والمغالاة. ومن تبعات هذه القدسية استماتة البعض في أخذ دور الوصاية على عباد الله، والتعصب للقول أو الرأي لهذه الشخصية، وفرضها بل ودحر أي رأي فقهي مخالف لها ووصفه بالجهل واتباع الهوى، بل تصل أحيانا إلى الوصف بأكثر من ذلك، فقط لأنه خالفه في رأيه مع أن هذا الرأي المخالف له أدلته من الكتاب والسنة. التقديس غير العقلاني له تطورات طردية خطيرة على الفرد والمجتمع، حيث ساقت البعض لصراعات فكرية وأيديولوجية وتصنيفات هدفها الانتصار للرأي وفرضه وليس للحوار ومعرفة الحق ومن ثم اتباعه. عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال: لا نصلي حتى نأتيهم، وقال بعضهم: بل نصلّي لم يُرد منا ذلك، فذُكر ذلك للنبي، صلى الله عليه وسلم، فلم يعنِّف واحداً منهم) متفق عليه، واللفظ للبخاري. اجتهد الصحابة في فهم مراد الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولم يعنف أحدا منهم، وهو من بعثه الله -سبحانه وتعالى- رحمة للعالمين. فهل لنا في مواجهة متسلسلة التقديس وتغييب العقل والتبعية المطلقة والدغمائية، بتقدير أهل العلم والفضل.. وليس بتقديسهم.. وتقبل الرأي الآخر.. وليس بالضرورة اتباعه.. وتوسيع مفهوم أدب الاختلاف وفقا لقول رسول الرحمة والهدى، صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"؟.