أرجع عدد من الباحثين واللغويين المصريين ظهور تصريحات تهاجم عرب الجزيرة العربية وتنتقص من دورهم بين حين وآخر، إلى ضعف البحث العلمي الذي يتقصى نشأة اللغة العربية خصوصا في العقود الأخيرة، ما جعل بعض الذين لهم مواقف شخصية يحاولون الإساءة والانتقاص من منبع اللغة العربية، على غرار ما فعله الكاتب المصري يوسف زيدان أخيرا خلال الندوة الفكرية التي نظمها مهرجان "ثويزا" بمدينة طنجة المغربية في دورته ال12 تحت عنوان "عسى الثقافة تصلح ما تخربه السياسة"، والتي علق خلالها بأن اللغة العربية كتبها عرب وفرس وأمازيغ وأن 70 % من المخطوطات الموجودة في الخزانة الحسنية لمؤلفين أمازيغ. تقصير واضح يقول مدير إدارة جمع التراث بالمجلس الأعلى للثقافة المصري الدكتور أشرف عزب في تصريح إلى "الوطن" إن "هناك تقصيرا من جانب العرب في تدوين دورهم في نشأة اللغة العربية وتأصيل إسهاماتهم في وضع قواعدها، ويجب أن يتم ذلك في إطار علمي بحثي خاصة وأن الفكر العلمي يقوم على التراكم الفكري، حيث تكون هناك حاضنة فكرية للرد السريع على ما يثار بشأن اللغة العربية ودور الأوطان العربية في نشأتها وتطورها، بداية من نشأة اللغة كلغة وانتهاء بعلومها مثل النحو والصرف والتورية، مرورا بدراسة اللهجات العربية المختلفة".
غياب البرهان طلب أستاذ النقد الأدبي بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الزقازيق نائب رئيس اتحاد الكتاب المصريين الدكتور مدحت الجيار، في حديثه ل"الوطن" من زيدان تقديم أدلة على أطروحاته. وقال "على من يزعم أن اللغة العربية كتبها عرب وفرس وأمازيغ وأن المخطوطات الموجودة في الخزانة الحسنية 70 % منها لمؤلفين أمازيغ، أن يبرهن على صحة ما يقول، فاللغة العربية بقيت حوالي 2000 عام، ونصوصها ما زالت موجودة، وعلى من يريد الحديث عنها أن يفرق بين الحياة التي كان يعيشها العرب وبين اللغة العربية التي تستخدم في الحياة بكل تفاصيل الحياة"، وقال "ليس هناك دليل علمي على ما يقوله زيدان، وإذا كان لديه دليل فليقدمه لنا". وأضاف الجيار أن "اللغة تمثل وجه الأمة الحضاري، ورصيدها الثقافي والفني بما ينطوي عليه أدبها من فنون الشعر والنثر والحكم والأمثال، فكل ما ينطوي عليه حصاد الإرث الثقافي والعقائدي وثروتنا من القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد من نتاج اللسان والقلم ويودع في ذمة اللغة، ولطالما كانت أمتنا العربية قوية بلغتها وثقافتها وفكرها، ويشهد لها العالم بما قدمت للبشرية من إنجازات علمية هائلة يوم كانت أوروبا تغط في سبات عميق من الجهل والتخلف، وإذا شكك اليوم مشكك بقصور لغتنا في مضمار العلم والتكنولوجيا الحديثة، فهو قصور في مستخدميها، وليس في لغتنا التي أثبت التاريخ أنها على رأس لغات العالم قابلية للتطور وخدمة العلم والعلماء، وهي كما قال طه حسين "يسر لا عسر"، وهي للكل، نتحكم فيها ونصوغ منها ما نريد، ولهذا فهي قادرة على أن تواكب الحياة بكل ما فيها من مفردات جديدة وحيوات جديدة"
لغة القرآن والأدب يشير الدكتور حسن عبدالحميد، أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس، إلى أن "لغتنا العربية الجميلة هي لغة القرآن والشعر والأدب وعنوان الحضارة، ولا تستحق أن تضام من أهلها في ديار العروبة والإسلام، فهذه اللغة هي التي حفظت لهم عقيدتهم ومآثرهم، وتقابل اليوم منهم بكل هذا النكران والجحود، وأبوالأسود الدؤلي هو عربي وهو الذي نحا النحو بأمر من الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، ثم الأصمعي، أما الذين ولدوا خارج الجزيرة العربية فقد تعلموا أصول العربية فيها ومن أهلها، والجزيرة العربية خرجت منها أعظم اللغات المكتوبة وهي اللغة العربية والتي تعد أم اللغات".
السيجارة والمال يحرجان زيدان في طنجة لم تكن آراء زيدان حول دور أبناء الجزيرة العربية في علوم اللغة، وحدها المثيرة للجدل حول شخصيته وأفكاره، فقد شنت عدد من المواقع المغربية هجوما حادا عليه بعد إشعاله سيجارة أثناء ندوة في المهرجان، مخالفا بذلك تعليمات المنظمين ومسببا لهم إحراجا كبيرا جعل مقدم الندوة يطلب منه إطفاء السيجارة فورا، وهو ما رفضه زيدان وقام من مكانه ليكمل السيجارة. كذلك كان هناك جدل كبير حول تلقيه مبلغ 4 آلاف دولار مقابل الحضور. لكن إدارة المهرجان حسب ما نشره زيدان على حسابه في فيسبوك أكدت في بيان لها "أن جميع المشاركين في ندوات الدورة الحالية والأمسية الشعرية الافتتاحية، سواء من داخل المغرب أو من الخارج لم يتسلموا، أي تعويض مالي".