قبل ثلاثة أسابيع تفاجأ سكان مدينة سيدني بانتشار واسع لمئات المراهقين في الأحياء الرئيسية والأزقة والطرقات يحملون هواتفهم الذكية بحماس بالغ ويشغلهم البحث عن شيء ما لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، وبمجرد أن يعثر أحد المراهقين على ضالته المنشودة تبدأ مبارزة خفية ميدانها شاشة الهاتف الذكية. تكرر هذا السيناريو في كثير من بلدان العالم حتى وصل إلينا بغموضه الكثيف، ولم تمض عليه أسابيع حتى انقشعت هالة الغموض وأصبح الجميع يعرف بأمر "بوكيمون جو"، ولكن لم يتضح بعد السر في هذا الهوس المحموم. يكمن جزء كبير من السر في عبارة مستحدثة في القواميس العالمية وهي "الواقع الافتراضي"، وهو أحد مخرجات تكنولوجيا البرمجيات، والتي تمكن من الدمج بين واقع حقيقي ملموس وواقع تخيلي تم تصميمه في الأجهزة الذكية. ولكي يتجلى فهم السر بهذا الهوس في صورة أوضح لنتفقد التاريخ وبالتحديد في منتصف الثلاثينات عندما بدأ في المجتمعات الغربية الشغف بمجلات الأبطال الخارقين أو "COMICS"، والتي تحوي رسومات قصصية متسلسلة عن شخصيات خارقة أمثال سوبرمان وباتمان... إلخ. أسهمت في إنعاش الخيال البشري، وكانت ملاذا من الواقع الرتيب والمرير في تلك الحقبة. تطور الأمر بعد ذلك بظهور التلفاز، حيث أصبح بالإمكان مشاهدة هذه الشخصيات وهي تتحرك هنا وهناك وتعبر عن ذاتها وتخوض معاركها بإرادتها، فازداد الولع بها لعقود من الزمن، ثم ظهرت المئات من الشخصيات الكرتونية الأخرى، والتي تواكب مستوى التطور في التكنولوجيا وفي الخيال العلمي كذلك، فأخذت تتنافس فيما بينها للفوز باهتمام الجماهير حول العالم، وكانت الشاشة دوما هي ميدان هذا التنافس، فيما يقف المشاهد جامدا في مكانه يكبت حماسه في أعماقه لمشاهدة الحلقة التالية لشخصيته المفضلة. في منتصف التسعينات ظهرت شخصيات البوكيمون في مسلسل تلفزيوني كان المادة الأولى للمشاهدة في اليابان وفي عدة دول حول العالم، وجرى حوله الكثير من اللغط في عام 1997 بعد حالة إغماء لأكثر من 12 ألف طفل ياباني على إثر مشاهدة إحدى الحلقات ذات تأثير انفعالي غير مسبوق، ورغم ذلك ظلت لهذه الشخصيات مكانتها في قلوب متابعيها. واليوم أتاحت التكنولوجيا الذكية لهؤلاء المتابعين بأن يكونوا جزءا من قصص شخصياتهم المفضلة، فنتج عن ذلك هذا الهوس العالمي حول شخصيات البوكيمون، ولكن ما يجدر بنا الإشارة إليه أنها ليست سوى البداية في عالم جديد.