في معرض الكتاب الدولي يشعر الزائر والمرتاد والأديب أن جل الشعب السعودي روائيون وأدباء! عناوين بالمئات لا حديث لها سوى الرواية ولا موضوع تتناوله سوى القصة أو الأقصوصة أو ما شابههما. روايات مصدرها الخيال والغيب، وكأن الزمن الحاضر وعالم الشهادة لا يصلحا كمادة خصبة لأي مؤلف. هروب للكتاب والكاتبات من الحقيقة إلى الافتراض في مشهد يوحي بأن كثيرا من المؤلفين بات على يقين أن الناس لا تريد أن تقرأ إلا مادة حيكت بمقاييس معينة بيد خياط اسمه القاص أو الروائي! في معارض الكتاب أيضا غياب لافت للكتب العلمية المبنية على التجربة والمشاهدة والاستنتاج! اختفاء مزعج للعلم مقابل الأدب ما خلا بعض المؤلفات المترجمة لبعض كتاب من أماكن متفرقة من العالم! كنت أقرأ لإحداهن وهي تعبر عن فرحتها بقصتها الأولى وتشكر دار النشر على تبني إصدار كتابها، واصفة مدى سعادتها (الهستيرية) حين نالت رقم (ردمك) بشكل خرج عن حدود الرزانة والاتزان.. تضيف (القاصة السعيدة) إن سعادتها بإصدار الكتاب من خلال دار النشر أهم لديها من الكتاب نفسه ومحتواه!! قلت: والله من سوء محتوى الكتاب الذي اطلعت عليه ولم أقرأ منه سوى صفحة واحدة قررت بعدها ألا أكمله! ومع قيمة التخصصية وحفظ مكانتها وروعة الأدب الجميل وأهله إلا أن تنوع المؤلفات وتعدد العناوين بين علم وأدب وتاريخ وسير وتراجم ومنطق ودين وجغرافيا وإنثربولوجي ولغة أمر صحي للغاية في دور النشر المختلفة.. هذا التنوع يحمل جملة من الفوائد الجمة منها: احترام الناشر كمصدر للمعارف المختلفة، خدمة القارئ في الاطلاع على عناوين متعددة في كل دار، إتاحة الفرصة للكتاب والكاتبات لعرض نتاجهم العلمي في دار الأدب ومخزونهم الأدبي في دور العلم، تحقيق جماهيرية وشهرة لصغار الكتاب حين تظهر كتبهم جنبا إلى جنب مع جهابذة التخصصات الأخرى وغيرها كثير.. وزارة الإعلام مطالبة بإعادة النظر في الترند الجديد لمعارض الكتب وفق آلية تحمل توازنات لما ذكرته أعلاه، بحيث لا تحرم الأدب من فرصة الانتشار، وفي الوقت نفسه لا تشعر القراء بأن كل المؤلفين السعوديين أدباء وروائيون، فتضمحل قيمة العلم والعلماء في التخصصات الأخرى تحت وطأة تمددهم وانتشار نفوذهم الملحوظ!.