نعيش مع شخصياتنا الحالية بما تمتلك من قدرات ومهارات، ونحن نفهم أنها تنمو وتتغير بصفة مستمرة، ولكن نحتاج إلى أن ندرك كيف لها أن تتطور، لكي تقترب شخصياتنا من الغد المشرق والمليء بالأماني والمثل ولتواكب طموحاتنا التي نهدف إليها، والتي كثيرا ما نراها بعيدة عما نريده في حياتنا الحاضرة، نقف هنا الآن وقد حققنا بعض ما كنا نتطلع إليه في الماضي، أي أن شخصياتنا قد نمت كيفما كانت، وهي مستمرة في نموها مدى حياتنا، ولا شك في ذلك، فهي فرصة توجب علينا أن نستفيد منها لكي نكون تلك الشخصية القوية الجذابة الذكية التي نريدها، ويطمح لها الكثير مستندة على قوى الفكر والمعرفة والمهارات العالية التي تمكن صاحبها أن يؤثر في سواه وفي نفسه إذا شاء بأسلوب خلاق إبداع أصيل، وهي قابلة للازدياد كما أنها قابلة للاضمحلال في حالتي الإهمال أو ضعف تفاعلها مع البيئات المحيطة بها. إذا أردنا أن نكون ونصل إلى حقيقة فهم أنفسنا، فعلينا أن نشاهد شخصياتنا عن قرب دون أن يخدعنا الواقع الخارجي أو التطورات الحضارية المتسارعة من حولنا أو مشاغل الحياة، إن العيش مع شخصياتنا هي قصة كفاح وصبر إلا أنها مثيرة وشيقة، ورحلة طويلة لكي ندرك خوالدها، فهي مرآتك لخبراتك وأفكارك وأحاسيسك ووجدانياتك، وهذا يعني أن الشخصية لا تتكون وتنمو إلا نتيجة لتفاعل التكوين البيولوجي للفرد مع العوامل البيئية والاجتماعية والثقافية حتى لقد ذهب بعض علماء النفس إلى أن يقرروا أن الشخصية هي طبيعة الفرد بعد أن يحورها التفاعل الاجتماعي والبيئي، لأنها تحدد بدرجة كبيرة اكتسابنا الكثير من عاداتنا اليومية. وفي خضم ذلك تبرز سمة الذكاء التي تقود الشخصية إلى مبتغاها المراد، ولقد كانت وما زالت سمة الذكاء من أكثر المسائل إثارة للخلاف بين مدارس علم النفس وعلمائه الذين أخذوا على عاتقهم تفسير ظواهر الذكاء والأفعال الناتجة عنه مثل تعديل السلوك أو القدرة على الفهم والتحليل، ومنهم من وصف الذكاء بعدة عناصر يتكون منها كمجموعة من القدرات التي تقوم بالعمليات العقلية، مستخدمة مواد مجردة أو لفظية أو رمزية أو حسية لتتكيف مع البيئة وتنسجم بكفاءة عالية. وعلى هذا سمة الذكاء تطلق على الشخص الذي يتميز بسرعة الفهم والاستجابة، حاضر البديهة، نافذ البصيرة، لديه قدرة على التعلم، ويستطيع تسخير خبراته السابقة في حل مشكلات جديدة، بالإضافة إلى قدرته على المحاكمة والنقد والابتكار والتوجيه. ويطلق البعض الذكاء على ملكة الفهم، وأنه قدرة واحدة فريدة يمتلكها الشخص الذكي، ولكن هذا ليس صحيحا في كل الأحوال، إذ توجد عدة قدرات تندرج تحت سمة الذكاء يمتلك الفرد بعضها، وقد لا يمتلك البعض الآخر، ولو أن الجدل ما زال قائما حول ماهية هذه القدرات إلا أنها لا بد أن تشمل عناصر مثل بعد النظر، وإدراك العلاقات الجديدة، والقدرة على التفكير، أو الاستدلال المجرد، والطلاقة اللفظية والعددية.. وغيرها كثير. وتؤكد الدراسات العلمية على أن التأثير الذي تحدثه البيئة في نمو مكونات الشخصية وسماتها كبير، ويعد تأثير البيئة في الذكاء، زيادة أو نقصانا، من أكثر الموضوعات التي برزت، نظرا للأهمية التي يحتلها الذكاء في بناء الشخصية وتطورها، لأن البيئة تجمع كل العوامل المادية والاجتماعية والثقافية الحضارية التي تسهم في تشكيل شخصية الفرد وفي تعيين أنماط سلوكه أو أساليب مواجهة مواقف الحياة المختلفة. إن البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد تشكله اجتماعيا وتحوله إلى شخصية اجتماعية متميزة، يكتسب الفرد أنماط سلوكه وسمات شخصيته نتيجة التفاعل الاجتماعي مع غيره من الناس من خلال التنشئة. كذلك فإن البيئة الحضارية تسهم في بناء الشخصية، والدليل على ذلك اختلاف السلوك الاجتماعي في البيئات والثقافات المختلفة، وعلى العموم فكلما كانت البيئة صحية ومتنوعة كان تأثيرها إيجابيا على نمو الشخصية وكلما كانت غير ملائمة كان تأثيرها سيئا. ونلاحظ أن سلوك الأذكياء والموهوبين مختلف اختلافا جوهريا عن سلوك العاديين، وقد بينت التجارب أنه قد يكون من الممكن بواسطة التلاعب بظروف البيئة، أن نجعل شخص ما عبقريا وأخرى أقل ذكاء، وذلك من خلال التلاعب بالمثيرات والمنبهات التي تؤثر في السلوك والتفكير، وبالتالي يتأثر النشاط الذهني العام كنتيجة لذلك. إن الذكاء في بدايته عبارة عن قدرات كامنة، وإمكانات قابلة للتطور، وقابليات تخضع لحكم المحيط وظروفه لحد بعيد، وأنها تحتاج إلى مرونة ذهنية لتجعل التفكير أكثر استثارة ونشاطا ليصبح الفرد قادرا على الإبداع، وحل المشكلات المعقدة بسهولة ويسر وبسرعة أكبر مما يكون، وهذا يمهد لمهارة التفكير الابتكاري، ومن جانب آخر فإننا ننفي عن الذكاء صفة الجمود والسكون والمحدودية، وأن القدرات العقلية لها القدرة على التطور والتقدم بشرط النظر بها على ضوء معطيات البيئة ومكوناتها. وسيظل القول بأن إغناء البيئة وتنشيط الذكاء وتدريب التفكير سيمكن شخصياتنا ومكوناتها وما تملكه من قدرات ومهارات وسمات من التميز والانطلاق إلى فضاء أرحب، وسيظل المستقبل مرهونا بالذكاء البشري الذي تمكنه التربية الهادفة من تفجير طاقات الإبداع والابتكار.