تعرض المجتمع السعودي لسلسلة من الجرائم البشعة والشنيعة التي وقعت باسم الدين وبحجة الحميّة عن الدين. وقد كانت تلك الجرائم بشعة لدرجة أنه لم يحدث مثلها في التاريخ لا القريب ولا البعيد. وذلك حين رأينا أشخاصا هم أقرب إلى سن الطفولة من سن الرجولة يقتلون أقرب الناس إليهم، ابتداء بالأخوين اللذين قتلا ابن عمّهما في البر، ومرورا بمن قتل خاله، وآخر قتل والده، وانتهاء بالتوأمين اللذين قتلا أمهما وطعنا أبوهما وأخوهما، ناهيك عمن قتل رجال الأمن غيلة، ومن قتل المسلمين وهم في بيوت الله يؤدون الصلاة، وكل ذلك من أجل التقرب إلى الله حسب فكرهم الخبيث. تنتهي كل قضية من هذه القضايا الجسام بقراءة خبر عن القبض على الإرهابيين والتعريف بهم بأنهم ينتمون إلى القاعدة أو داعش، ثم ننتظر الفاجعة القادمة وينتهي أثرها أيضا بقراءة خبر عن القبض على الفاعلين. وهلم جرا. الضحايا يدفنون والمجرمون يوضعون في السجون والمتعاطفون مع داعش يتحمسون أكثر فأكثر. هذه الجرائم حدثت كلها خلال الاثني عشر شهرا الماضية، وكنّا نتوقع أن المواجهة مع الفكر الذي يفرخ الإرهابيين -الذي هو في ازدياد ونشاط- ستكون على أعلى المستويات فكريا وإعلاميا واجتماعيا لتفادي تكرارها، ولكي نحمي أبناءنا من الانجرار والانضمام إلى هذا الفكر الخبيث. ولكن شيئا من هذا لم يحدث للأسف إذا استثنينا المواجهات الأمنية، وهذا يعتبر رد فعل طبيعيا لأي جريمة، ولكنه لا يخدم فعليا القضية الخطيرة التي يعيشها المجتمع لأنه عمل على إنهاء الخطر بعد وقوعه، والأهم هو العمل على كيفية تفادي الخطر قبل وقوعه. بمعنى آخر وبتفسير علمي أستطيع القول بأننا نتبع أسلوب إطفاء الحرائق وليس الوقاية منها. إن إطفاء الحريق لا يفيد بعد أن تأكل النار الأخضر واليابس إن لم نضع الاحتياطات اللازمة لمنع حدوث الحريق. ولهذا فإننا نهيب بوزارة الداخلية بأن تكثف من التعاطي الإعلامي مع الإرهابيين ومساءلتهم علنا عن كيفية تبني الفكر الداعشي، وكيف توصل الدواعش إليهم من خارج الحدود. وهذا ليس تشفيا وليس ترفا أو فضولا، بل لكي يعرف كل الناس من آباء وأمهات ورجال الأمن والمعلمين والمعلمات والتاجر والموظف وغيرهم ما هي الأساليب التي يتبعها الدواعش في التغرير بأبنائنا وغسل أدمغتهم. ومن يتشدق بأن هذا تشهير بالقبائل التي ينتمي إليها المجرمون والإرهابيون، نقول له إن لحمة المجتمع وأمن الوطن يجب أن يقدما على ما سواهما. بل من وجهة نظري أنا أعتبر أن القبيلة التي تشفع لمن ينتمي إليها بعد أن ثبت جرمه -أيا كان حجم وفداحة الجرم- فإنها هي أيضا شريكة في الجريمة.