بعد تتابع عمليات الغلمان الدواعش خلال ثلاثة أشهر مضت ضد آبائهم وأخوالهم وأبناء عمومتهم؛ عبرت رسوم الكاريكاتير عن السخرية من وهن صلة القرابة العائلية من خلال عرض لوحات يتمنع فيها ابن العم عن الاستجابة إلى ابن عمه لمشاركته في رحلة أو نزهة؛ لأن النهاية قد تكون فاجعة يرتكب فيها الغلام الذي لم تبد بعد مخايل الدعشنة على ملامحه جريمة قتل يروح ضحيتها ابن عمه البريء! كيف استطاع الفكر الداعشي الإرهابي التغلغل والوصول إلى أعماق بيوتنا وانتزاع بعض فلذات أكبادنا من أيدينا وتحويلهم إلى أعداء لنا وقنابل موقوتة قد تنفجر في أية لحظة حين يقترب فتيلها من المحرض المتسلل إليها عبر ذبذبات وسائط التواصل الاجتماعي؟! كيف أصبح بعض أبنائنا في بيوتنا ممن تربوا بين أحضاننا وأطعمناهم صغارًا ثم علمناهم فتيانًا ورعيناهم كبارًا غرباء بيننا ينظرون إلينا نظرة كراهية وعداء، ويروننا خارجين عن الملة وأعداء للدين ولا نستحق كلمة مؤمنين؟! كيف أحدث الفكر الداعشي هذه القطيعة الشعورية بين بعض الأبناء وأهاليهم من آباء وأعمام وإخوان وأعمام وأبناء عمومة؟ وإذا كانت القطيعة الشعورية منبتة على هذا النحو مع الأقربين من العائلة فما بالك بالأبعدين في المحيط الاجتماعي والوطني؟! لقد تلاعب المنظرون التكفيريون الخوارج الدواعش بالنصوص تلاعبًا خطيرًا وأخرجوها من سياقاتها التي وردت فيها واقتطعوا من النصوص ما يخدم غاياتهم الإجرامية وتلاعبوا بتفسير ما اجتزؤوه ليلبسوا به على العامة والجهال والمراهقين ومشبوبي العواطف؛ فقلبوا معنى الولاء والبراء إلى الكراهية والهجر والانتقام، وعكسوا معنى «الأقربون أولى بالمعروف» إلى عقوقهم وقطيعتهم والتبرؤ منهم وقتلهم، وحرضوا على إراقة دم الأقربين، ورأوا أن قتلهم أولى من النفير، وهو تحريض موجه إلى استهداف الأقربين كالأب والعم والخال والأخ؛ إلا أنه في مفهومه الواسع يشمل أيضًا «كل شخص لا ينتمي إلى الجماعة، وموالاة كل متعاطف مع الجماعة» وهنا غدت جماعة «داعش» هم المسلمون فقط، فمن آمن بأفكارها وأعلن بيعته لخليفتها المزعوم وقدم فروض الولاء والطاعة أصبح معصوم الدم والعرض والمال، ومن لم يعلن ذلك فدمه وعرضه وماله مستباح؛ لأنه خرج من دائرة الإيمان إلى دائرة الردة أو الكفر! وعقيدة الولاء والبراء في الإسلام لها مفهومها الواضح الجلي الذي لا يوجه أبدًا إلى أي أحد من المسلمين، وإذا وجه إلى مسلم فلا شك أن من أعلن البراءة منه لا يراه إلا مرتدًا أو كافرًا. إن داعش تنطلق في أحكامها ورؤيتها للدين من منطلقات خوارجية تكفيرية خالصة، وتستخدم للدفاع عن أحكامها على المجتمعات الإسلامية التي خرجت عليها كل الأساليب الموروثة التي استخدمها الخوارج في القرون الأولى، وتزيد عليها ما أضافته إلى أساليبها الإجرامية من أشكال وصنوف القتل والحرق والاغتيال وفنون التعذيب من معارف المنتمين إلى ثقافات أخرى كالفارسية وغيرها، فهي تجمع بين توحش الخوارج وأوهام الحشاشين وقسوة البعثيين وزيف القرامطة وقبح أفعالهم على الأرض. وقد استخدمت داعش التكفير طريقة سهلة سريعة الوصول إلى الشبان الصغار الذين ليس لهم باع ولا تجربة ولم ينضجوا بعد بما يبين لهم الخطأ من الصواب، وعن طريق تكفير غير المعين أي عامة من يعمل في القطاع العسكري مثلاً يتم القتل للأقربين أولاً ثم للأبعدين، وعن طريق التكفير لمن يعمل مع الدولة في جميع قطاعاتها المدنية يعم القتل المجتمع كله؛ لأن الدولة حسب الرؤية الداعشية كافرة من رأسها إلى عموم قاعدتها الاجتماعية الواسعة. ولم يأبه الدواعش بالآيات الكريمة من كتاب الله ولا بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تحض على بر الوالدين والإحسان إليهم وبذوي القربى؛ بل استبدلت البر والإحسان بالغدر بالوالد أو الوالدة أو العم أو الخال أو ابن العم! وفي الجزء الثاني من هذا المقال تحليل لصور من صور هذا الغدر الداعشي بالأقربين عن طريق اختطاف عقول الغلمان المراهقين. يتبع