لا أعرف في الحقيقة كيف يمكن أن أطلق مسمى آخر على ما أسمعه أحيانا في لهجاتنا المختلفة، حيث أضحت من الركاكة بمكان لا ينافسها عليه ركيك..! يتباهى الكثيرون في مصطلحاتهم الجديدة أم هم جادون، بعد أن أصبح المطبخ "متبخا"، وزادوا الطيب طيبا فأصبحت كلمة طيب "تيب".. في لهجة أخرى كلمة الآن انقلبت إلى أسي وهلأ أو هلق أو هسه والله يسعدكم إلى الله يسعدكن، وأوقات إلى أوئات وأقرأ إلى بئرا وبقرة إلى بئرا أيضا، وهذا انقلبت إلى كوا وهيدا، وذاك إلى اوكواه وكوهاك (ذاك للبعيد)، ناهيك عن اسم إشارة لجمع المذكر البعيد كوهناكن، والزور يعني الحلق عند آخرين، اكو خاشوقة (في ملعقة)، جرباية (سرير) كما فأر تعني (فقر)! طبعا هذا غيض من فيض وأنتم تعلمون كم هي الفروقات في اللهجات ومدى قربها أو بعدها عن اللغة العربية، أو حتى عن لهجات مفهومة أكثر لأن بعضها يحتاج إلى ترجمان حقيقي.. هنا أمثلة عن التغيير اللغوي في الكلمات وتكسير بعضها، وهنا الأشكال حيث انتقل البعض لكتابة الكلمات مكسرة أيضا ولم يكتف بنطقها مكسرة منقوصة..! في وقت يحاول فيه الغيورين على اللغة العربية والمهتمون في شأنها من مختصين ومفكرين تسليط الضوء على ما يواجهها من مشاكل من أبنائها الناطقين بها، محاولين تبيان مخاطر هذا الانزلاق الكبير في استخدام المصطلحات الجديدة بتحريف أصلها.. نلاحظ أن هناك محطات تلفزيونية معروفة تبث على نطاق واسع وليس محليا تلعب دورا مستهجنا في ذلك، فيتحدث كل موظفيها بلهجات مائعة ومكسرة، والتي لا يمكن أن أصفها بأقل من بائسة ومنحطة لدرجة الاشمئزاز وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا! هذه القنوات لها سياسات ممنهجة وبكل تأكيد متعمدة في إفساد وتخريب اللغة العربية بالتباهي في نقل أي خبر أو معلومة بلهجة مشوهة خليطة، هدفهم تشويه اللغة العربية، الحصن الأخير الذي يجمع كل ما تشتت خلال الحقبة الماضية. اللغة هي الأداة الرئيسية لأي تطور أو تقدم فهي الحامل الأساس لنقل أي علم أو معرفة، فبتشويهها يتم تشويه ما تحمله من معلومات لدرجة يصعب فهمها، وبهذا ينفر منه المتلقي ليبحث عن حامل معلومة أسهل وأوضح وهذا هو الهدف، إضعاف اللغة بتحييدها عن الاستخدام أو على الأقل تشويه استخدامها. هنا أتساءل لماذا نحن الآخرون، وبما أننا لا نتبع لهذه السياسات المخربة ولا نتبع لتلك الثقافات الغريبة علينا، منفتحون جدا على قلب النطق الصحيح والتباهي بذلك لدرجة الدلع في نطق ما هو غير صحيح؟! هل هذا دلع جديد في اللغة العربية "وفروعها لهجاتها" أم أنه جهل في خطورة الأمر؟ أم ماذا؟ إلى ماذا يمكن أن نعزو هذا الدلع الجديد في اللغة؟ وماذا ينتظرنا في لاحق الأيام؟! وأقول إنني شخصيا أستحسن بعض اللهجات للونها الجميل وإيقاعها اللطيف على السمع كلهجة أهل نجد والحجاز مثلا أو العراقية أو الشامية.. إلا أنني وفي ذات الوقت لا يمكن أن أهضم تكسير الكلمات وتخريبها وهنا يقع سبب صرختي هذه، فهل كلمة "متبخ" أجمل من مطبخ؟ وهل "تيب" أجمل من طيب؟ وهل "خاشوكة" أجمل من ملعقة "وكوا" أجمل من هذا؟! اللهجات تقف عائقا في طريق التواصل الصحيح بين أبناء الوطن العربي وأيضا في إدراك معاني اللغة الحقيقية، ناهيك عن عدم استخدام إمكانات اللغة العربية الواسعة الجميلة في تلقي العلوم والمعرفة.. الطريق إلى ذلك يبدأ بتخفيف اللهجات باستخدام الكلمات الصحيحة والمشتركة لتكون مفهومة أكثر وهكذا تنتقل الأجيال من اللهجات القريبة للعربية إلى اللغة العربية لاحقا وهو الهدف الأجمل.