في مقدمة كتابه "هشام ناظر.. سيرة لم ترو" يقول الزميل تركي الدخيل تعريفا بكتابه "في هذا الكتاب، أقدم جزءاً من سيرة الرجل، أكتب فيه ما رواه لي وأظنه جديرا بالاطلاع". وكما كتب غيره من مجايليه، سواء الدكتور عبدالعزيز الخويطر، أو الدكتور محمد عبده يماني، أو الدكتور غازي القصيبي، في مذكراتهم وذكرياتهم، فهذا الكتاب شكل من أشكال التوثيق، يندرج تحت باب الأمالي من جهة، والسيرة الذاتية، والسيرة الغيرية، والتوثيق للأحداث، من جهات أخرى". ويعرج الدخيل إلى المدة الزمنية التي استغرقها إنجاز الكتاب، فيقول "أخذ هذا الكتاب، أكثر من سنتين، سجلنا فيهما للإعداد مع الشيخ هشام ناظر، رحمه الله، أكثر من 80 ساعة صوتية، في أمسيات متقطعة، ولكنها جميلة". مقدمة إحقاق الحق والاحتفاء بالتوثيق "يا سلام عليك، عندك حلول"! كانت هذه العبارة، هي الظهور الإعلامي الأخير للشيخ هشام ناظر، رحمه الله، سفير خادم الحرمين الشريفين، أو السفير السعودي في القاهرة، حملتها وسائل التواصل الاجتماعي لكل هاتف نقال، فشرّقت وغرّبت، حتى بات الاستياء منها مظهراً جماعياً. وأراهن أن كثيرين لا يُلقون بالاً حتى اليوم للاستماع لجانب الرواية الأخرى، لا تلك التي يقدمها هشام ناظر فحسب، وإنما حتى تلك التي يُدلي بها بعض الشهود، والتي تحاول أن تشرح أن السفير التقى فعلاً بالسيدة المشتكية أكثر من مرة، وأنه فوّج 45 ألفًا من المواطنين السعوديين العالقين في مصر عبر الجسر الجوي، إبان الاضطرابات التي كانت تشهدها البلاد تلك الفترة، والتي أدت إلى الثورة المصرية التي ذهبت بالرئيس المصري السابق، حسني مبارك! بيد أن الفجيعة الحقيقية ليست في تلك الواقعة بذاتها، بقدر ما هي في الاختزال المَقيت لهشام ناظر وتعريفه لدى كثير من الشباب اليافع بتلك العبارة كلما سُئلوا إن كانوا يعرفونه؟ فجأة تم اختزال أعوام من العطاء الزاهي، والتجربة المختلفة، والخبرة الطويلة، وحتى الاتهامات الثقيلة، في موقف مدته 40 ثانية. وإن اعتبرها البعض فضيحة مدويّة بحق هشام ناظر، أو نظر لها آخرون على أنها طرف في قصة انتهت بانتصار لمواطنة على مسؤول! كنت أسأل نفسي؛ هل انطوت صحف الوزير الذي كان ظِلًّا لإنجازات ملوك السعودية على مرّ ستة عقود؟. نحن الثلاثة يستهل العقاد سيرته المعنونة "أنا" بقول الكاتب الأميركي، وندل هولمز "إن الإنسان... كل إنسان... بلا استثناء، إنما هو ثلاثة أشخاص، في صورة واحدة، الإنسان كما خلقه الله، والإنسان كما يراه الناس، والإنسان كما يرى نفسه". حسنًا، هذا التباين بين الشخوص الثلاثة على طريقة العقاد ومسلكه، وعلى نسج العالمين، لا يستثني هشام ناظر، فحينما قبلت هذا التكليف، للتوثيق له، كنت أعلم أنه يحتاج إلى عازف محايد، وموسيقي متمكن، يعلم أن ما يؤلفه هنا من نوتات، عليها أن تُعزَف سيمفونيةً، تتسع على ضيّق المخطوطات، وقيود السُّلّم؛ غايتها سد الثغرات المعيبة، في ذاكرة وطن يكبر كل ليلة، وينسى. كانت وصيتي لنفسي، أن أُعمِل الأدوات، لأناغم بين الأشخاص الثلاثة، وأخرج بمعزوفة، توالفية، تصلح أن تُبث كسوناتا في مسرحٍ عام، ويُفاد منها الجميع.. لا أولئك المتابعون لهذا الوزير.. التاريخ.. فحسب! بل كل من يود أن يفهم، كيف استقام الوطن على هذا الحال؟ ومن هم مِلاط هذا البناء، الذي يشدّ العالم بأسره؟! أزعم، دون أن أتخلى عن التواضع هنا، أن هذا الكتاب، يُقَدِّم للقراء خلاصة نافعة. من سيرةٍ رواها لي الشيخ هشام ناظر، غفر الله له، من لسانه لقلمي، في ساعات طويلة من التذكر الشفيف والرائق. وقد كان الرجل -مع كرمه بالمعلومات- إلا أن شخصيته المتحفظة والمحافظة والحافظة، كانت حاضرة، فهو دقيق كمن يستجلب المعلومات بكلمة سرٍّ رقمية، وإذا شكّ في شيء، استأذننا بلطف، واستلّ وثيقة، أو صورة، ونادراً ما خاب ظنه في ذاكرته، ولا يفوتني أن أشكر الراحل على ما زودني به من الصور والوثائق، التي اعتمدت عليها في هذا الكتاب. هشام ناظر سيرة بحبر قليل ولد هشام محيي الدين ناظر، في جدة في 31 أغسطس 1932. درس هشام ناظر، في جامعة كاليفورنيا في الولاياتالمتحدة الأميركية، وحصل على بكالوريوس مع مرتبة شرف في العلاقات الدولية، كما حصل لاحقا على ماجستير في العلوم السياسية في عام 1958، ومباشرة بعد حصوله على شهادة الماجستير، عينه عبدالله الطريقي في المديرية العامة لشؤون الزيت والمعادن، ثم أرسله عام 1960 إلى فنزويلا لتحصيل مزيد من المعرفة عن أمور البترول العالمية وموضوعاته وعلومه. عام 1962، عُيِّن ناظر، وكيلاً لوزارة البترول والثروة المعدنية، وشغل موقعه حتى عام 1968. لقد كانت الطريق إلى تعيينه في الموقع المذكور، من قبل أحمد زكي يماني الذي خلف عبدالله الطريقي، حافلة بالأحداث المهمة، إذ استطاع ناظر، الموصوف من قبل بعض من عملوا مستشارين له في الرياض ولندن، بأنه "شخصية مثيرة للإعجاب"، كسب ثقة وزير البترول أحمد زكي يماني. في عام 1968، أصدر الملك فيصل، أمرا ملكيا بتعيين ناظر، رئيسا للهيئة المركزية للتخطيط، بمرتبة وزير. ناظر، الذي كان يحظى حينها، بتواصل مباشر مع الملك، بدأ العمل على أول خطة من نوعها، تُعنَى بالتنمية، في المملكة العربية السعودية، وهي الخطة الأولى التي صادق عليها مجلس الوزراء برئاسة الملك فيصل في عام 1970. في عام 1971، صدر أمر ملكي، قضى بتعيين ناظر، وزير دولة وعضوا في مجلس الوزراء. لم يؤثر هذا التعيين على موقعه في الهيئة، إذ بقي رئيساً للهيئة المركزية للتخطيط. في مايو 1975، صادق مجلس الوزراء السعودي على الخطة الخمسية الثانية، المرفوعة من الهيئة المركزية للتخطيط التي كان يرأسها ناظر. وفي أكتوبر من العام نفسه، شهدت السعودية تعديلا وزاريا ضخما، شمل إضافة ست وزارات جديدة، فارتفع عدد الوزارات من 14 إلى 20. يومها، تم تحويل الهيئة المركزية للتخطيط إلى وزارة، وعُيِّن هشام أول وزير للتخطيط في المملكة. عام 1975 كان عاما حافلا بالنسبة لناظر شخصيا، كما لبلاده التي كانت تتشكل إدارياً، إذ عُيِّن ناظر، الذي كانت تربطه علاقة متينة بالأمير فهد بن عبدالعزيز، ولي العهد آنذاك -كما يذكر ديفيد هولدن وريتشارد جونز في كتابهما "بيتُ آل سعود"- بالإضافة إلى عمله، نائبا لرئيس الهيئة الملكية ل"الجبيلوينبع"، التي كان يرأسها آنذاك الأمير فهد بن عبدالعزيز، والتي تولّت مسؤولية بناء أكبر وأحدث مدينتين صناعيتين في العالم، يربط بينهما أنبوبا البترول والغاز، لتقوم فيهما صناعات عديدة أصبحت -لاحقا- مصدرا مهما للدخل القومي. شهدت مرحلة انهيار أسعار البترول في عام 1986، تبدلات كثيرة في مواقع المسؤولية، في أكبر الدول المصدرة للبترول في العالم، المملكة العربية السعودية، منها تعيين هشام ناظر، وزيرا للبترول بالنيابة، مع احتفاظه بموقعه وزيرا للتخطيط. يومها، عمل ناظر على إعادة الاستقرار لأسعار البترول، وعندما بلغ ذلك الهدف، بدأ بتطبيق خطة إصلاحية لهذا القطاع. كان لا بد من الخروج بحلول غير تقليدية، فالسعودية كانت أحوج ما تكون إلى مداخيل إضافية، تساعدها على تنفيذ مشاريع التنمية الحديثة، وعليه، فقد كانت واحدة من ضمن خطوات اتخذها، في ذلك الوقت، تصفية العلاقات المعلّقة ما بين الحكومة السعودية وشركة أرامكو، هذا من الناحية الأولى، وأما من الناحية الثانية، فعمل على إيجاد استثمارات خارجية تضمن لبلاده تسويق جزء من إنتاجها، ثم تتنافس مع الآخرين على الجزء الباقي. رئيسا لأرامكو عام 1988 وبعد سنوات من عملية تحول تدريجية، بدأتها الحكومة السعودية للسيطرة على أرامكو، عُيِّن الوزير ناظر رئيسا لمجلس إدارة شركة أرامكو، ليكون بذلك أول رئيس مجلس إدارة سعودي، لشركة البترول الأكبر في العالم، فعمل كما يذكر بيتر ويلسن ودوجلاس جراهام في كتابهما، على ترشيد عمليات الشركة وتأميمها، وذلك بسبب ربحيتها المنخفضة آنذاك. ناظر، الذي ينسب كثيرون إليه فضل إكمال امتلاك السعودية لشركة أرامكو، أشرف على برامج عمل فعالة وديناميكية، في مجالات تكرير البترول ونقله وتسويقه، وأوجد وسائل اندماج فعالة مع الصناعة البترولية العالمية، من خلال إعادة بناء قطاع البترول السعودي. عمل ناظر على إبرام اتفاقية شراكة مهمة مع شركة (تكساكو) في الولاياتالمتحدة، التي كانت في تلك الفترة في موقع الريادة والتفرد في مجال إعادة البناء، وقد دخلت هذه الاتفاقية طور التنفيذ، عام 1989، مع بداية دخول المملكة مجال تكرير المنتجات البترولية وتسويقها عالمياً. في عام 1999 أصدر هشام ناظر كتابا تحت عنوان: "قوة من النوع الثالث: المحاولة الغربية لاستعمار القرية العالمية". الجذور يتحدث هشام ناظر عن جذور عائلته، ليحيلنا إلى "قاموس العائلات العربية" الصادر في سلطنة عُمَان، الذي يشير إلى أن "الناظر" ليست عائلة واحدة، بل هي حوالي الأربعمئة عائلة، تمتد في بلدان عربية عديدة منها: مصر واليمن وفلسطين والأردنولبنان. إلا أن توزيع العائلة على بعض الدول العربية لا ينفي حقيقة أن العائلة الكبيرة تعود أصولها إلى ينبع البحر"، حيث اتخذت من أرض الحجاز موطناً لها منذ مئات السنين، وهو ما تشير إليه بعض المراجع التي كانت بحوزة الشيخ هشام ناظر، رحمه الله. يقول هشام ناظر، عن أصول عائلته ومكانها ونسبها وفروعها القريبة والبعيدة: "إن العائلة، من حيث تكوينها الأساسي، هي تركية التعليم واللغة، بمعنى أن الأجداد الأولين لعائلة الناظر وصولا إلى طبقة والدي، كانوا كلهم، مجتمعين، يتحدثون، بالإضافة إلى اللغة العربية، اللغة التركية، وذلك بسبب تعلمهم جميعا في مدارس الدولة العثمانية خلال حكمها. وإذا بحثتَ ستجد بأن لقب "الناظر"، واقعاً، هو لقب تركي، يقال: ناظر المدرسة، ناظر الوقف، أو ناظر المالية… وهذا اللقب، عادة ما يشير إلى منصب رئاسي في الحكومة التركية. طبعا، بالإضافة إلى معناه العربي أيضا. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإنك إذا ذهبت إلى الحجاز، وإلى مدينة جدة تحديدا، فإنك ستجد فيها عائلتين أو ثلاث عوائل من آل ناظر، إلا أن هذه العائلات لا تربطنا بها صلة قرابة إطلاقا، وأيضا إذا ذهبت إلى المدينةالمنورة فإنك ستجد ذات الأمر". "خارج حدود المملكة، إذا ذهبتَ إلى لبنان وفلسطين والأردن واليمن ستجد عائلة "ناظر" في هذه البلدان، وفي مصر، ستجد فرعاً للعائلة هناك، مع فارق أن الفرع المصري تربطنا به صلة رحم". "أما والدي، محيي الدين ناظر، رحمة الله عليه، فقد كان الابن الثالث لجدي محمد عمر ناظر، الذي كانت عائلته مكونة من خمسة أبناء وبنت. جدي، رحمه الله، كان ثائرا من أولئك الذين لم يعجبهم انهيار الخلافة العثمانية، وبسبب ذلك، فقد كان مصدرا لمشاكل كثيرة عانى منها مَنْ كانوا حوله. كان جدي من كبار الأثرياء، إلا أن ثروته الطائلة أنفقها في أعماله. لقد عانى جدي مرارة النفي، فقد نفي من الحجاز، ونفي من مصر ثم ختم رحلة المنفى في سورية، حيث استقر إلى حين وفاته". "عندما توفي جدي، كان عمي مصطفى ووالدي، اللذان أسسا الفرع الحديث من عائلة الناظر، في زهرة شبابهما، وفي تلك المرحلة، عانيا من مشاكل كثيرة، كان أولها تصفية جميع ممتلكاتهم لغرض سداد ديون والدهم، الذي كان قد تزوج في سورية، ورُزق ببنت. بعد الانتهاء من سداد الديون، أتى عمي ووالدي إلى جدة ومعهم شقيقتهم من أبيهم. ثم بدأ فرع جديد من عائلة "الناظر" يتفرع ويزداد في السعودية". هكذا يلخص هشام ناظر، السعودي العربي، تاريخ عائلته، فتراه لا ينفي علاقتها بتركيا العثمانية، بل يشير إلى معناها في اللغة التركية للتدليل على الدور الذي اضطلعت به العائلة آنذاك، وتراه أيضا يشير إلى ثورية جدّه التي أدّت إلى نفيه، دفاعا عن قناعاته، وما دفعه أبناؤه من ثمن لتلك القناعات، قبل وفاة الجد وبعدها… ثم تشعّب العائلة على تراب المملكة العربية السعودية وخارجها. بين ابن وأبيه: دروس وجداول حب يقول هشام عن أبيه محيي الدين: "أمور كثيرة حين أستذكرها في والدي، أجد أني أستضيء بها، في طريق هذه الحياة، وأسترشدُ بها في دنياي، حتى وأنا في العقد الثامن من عمري. كان والدي، رحمة الله عليه، هادئ الطبع حتى حينَ الفرح، ونادر الغضَب. يعيشُ سلاماً استثنائيًا مع ذاته، سلاما، انعكس إيماناً عليه. هذا الإيمان الذي كنتَ تراه فيه، كان إيماناً علنياً يلازمه أينما حل. كان كثير الصلاة حتى في غير مواقيتها، في مكتبه ومنزله، بل حتى في المطار، وإن سألته عن كثرة الصلاة أجابك بأنها قِطَارهُ إلى حيث الراحة، والباب الذي يدخل منه ليجد الهداية والتوفيق". كان محيي الدين ينظر إلى التعليم والتربية باهتمام كبير، وهو اهتمام دفعهُ إلى العمل على توفير مناخ مُحفّز وداعم على الدوام، فقد كان مثلا، حريصا على تعليم أولاده اللغة الإنجليزية في المنزل، في وقت لم تكن اللغة تحظى باهتمام المدارس في منطقته، فكيف بالبيوت. وغير بعيد عن اهتمامه بالتعليم، كان محيي الدين يحصر معظم هداياه لأبنائه بالكتب، كلما عاد من سفر، تحفيزا لهم على العلم والتعلم. كانت العلاقة بين الابن هشام، ووالده محيي الدين، استثنائية، مع أن ذلك لم يكن على حساب علاقة الأب مع بقية الأبناء، بل لصالحهم. لم يتوفَ محيي الدين إلا وابنه هشام في ال33 من عمره، لكن الأب كان يعمل بالوصية النبوية: "ما حق امرئ مسلم يبيت ليلته وله شيء يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه". يدرك محيي الدين ناظر حينها، أنه يجب أن تتوافر في الوصي لتولي شؤون الوصاية، شروط منها: كمال الأهلية والكفاءة والعدالة، وهي شروط لا تتوفر عادة لدى قاصر في الثانية عشرة من عمره. إلا أن ذهاب الأب لتعيين ولده القاصر وصيا، كانت تتجاوز تعيين الابن، باتجاه "تمرينه" على المسؤولية، وتدريبه على عناية مبكرة بأهله وإخوانه. لقد حاول محيي الدين ناظر، برواية ابنه هشام، ومن خلال علاقته به، توجيه أولاده الآخرين للالتصاق بأخيهم أكثر.
قصيدة في حضرة ولي العهد كانت المملكة فتية يحكمها ملك اسمه الملك عبد العزيز آل سعود (1876-1953). لم تكن في الدولة حكومة ولا وزارات، بل ولي عهد هو الأمير سعود بن عبدالعزيز، ونائب للملك في الحجاز الأمير فيصل بن عبدالعزيز، وكان هناك قائم مقاميات، وبلديات تعد من أهم الأجهزة الحكومية. آنذاك، كان في مدينة جدة بلدية، وكان والد هشام، محيي الدين، نائبا لرئيسها. ذلك اليوم، قرر ولي العهد، الأمير سعود بن عبدالعزيز، تفقد رعيته في جدة، كان عُمْر هشام أربعة عشر ربيعا. هشام الطفل، اندفع اندفاعة الماهر في حب مدينته وبلده، ليلقي قصيدة أمام ولي العهد. بحكم موقعه الرسمي آنذاك، وتحديدا في بلدية جدة التي كانت مسؤولة عن التحضير لزيارة ولي العهد، كان باب والده محيي الدين ناظر ينتظر قارعا: هشام ناظر، الابن المحبوب، يطلب إلقاء قصيدة في حضرة ولي العهد. لم يتردد الأب في تلبية طلب ولده، ولم يكتف بذلك، بل لم يسأل الصبي اليافع عن محتوى القصيدة! إنها الثقة التي كان يؤسس لها الوالد. بدأ الاحتفال وأتى دور هشام، وأنْشد، وحين انتهى من قصيدته، على تصفيق الحضور وهمهماتهم إعجابا بما سمعوا. لم تنته القصة هنا، إذ حصل أمر لم يكن متوقعا أبداً، ففي اليوم التالي، اتصل شخص يعمل في قصر ولي العهد بالبلدية، طالبا الشاب الذي ألقى القصيدة، أي هشام ناظر. امتثل هشام، فذهب إلى قصر خزام في جدة، والتقى بسكرتير الأمير آنذاك، الأستاذ عبدالله بن عمر بلخير الذي قال له: "لقد سعد سمو الأمير بقصيدتك، وهو يحب إكرامك، فماذا تطلب؟". كان جواب هشام ناظر الفوري آنذاك، ودون أي تنسيق مع أحد، حتى والده: أريد بعثة للتعلم في الخارج. فأجابه المرحوم بلخير: "نشوف، ونرد عليك خبر". الدراسة الحلم كان محيي الدين ناظر، وخلال فترة تربيته لأولاده، يعمل جاهدا، لا على خلق فضاء يتسع لهم فحسب، بل على تربية أبناء يصيرون قامات فيما بعد. لم يكتف الوالد بإرسال أولاده إلى مدرسة خاصة لتلقي مناهج تعليمية مميزة؛ تاركا خلفه المسؤولية الملقاة عليه في تشكيل وعيهم الثقافي، بل حرص على المساهمة بشكل فعّال في توجيه أولاده لقراءة أهم الكتب والدواوين آنذاك. انتقل هشام إلى الإسكندرية للدراسة في كلية فيكتوريا، مزاملاً، آنذاك، ملك الأردن السابق، الحسين بن طلال، والأمير زيد بن شاكر، رئيس وزراء الأردن السابق، والصادق المهدي، رئيس وزراء السودان الأسبق، وغيرهم، إلا أن زمالة أولاد الملوك والأمراء والسياسيين وأبناء التجّار، لم تطفئ عنفوان الشباب في دواخله، وروح المنافسة النظيفة، على أرض هو يختارها. في السنة السادسة لهشام في كلية فيكتوريا، تم تعيينه "رئيسا للطلبة"، موقع حمّلَهُ المسؤولية عن كل الطلبة في المدرسة. إلى الولاياتالمتحدة الأميركية بعد انتهاء السنوات الدراسية في كلية فكتوريا، عاد هشام ناظر إلى جدة حاملاً معه شهادة نجاح جديد، وحلما جديدا آخر: استكمال الدراسة في الولاياتالمتحدة الأميركية. ذات يومٍ عرف هشام أن جميع الطلبة الذين كانوا معه في كلية "فيكتوريا"، وافقت الدولة على ابتعاثهم للدراسة في أميركا، ما عداه. نقل الولدُ قصة ابتعاث أصدقائه سواه إلى والده؛ والحزن يبدو على محياه، فجاء رد الوالد داعما لمشاريع النجاح والتطور، حازما حاسما: "ستسافر إلى أميركا لتحصيل تعليمك ولو اضطرني ذلك إلى بيع منزلي". لم يرضَ الابن بمعادلة الأب، ذلك أنها معادلة تقضي بإخراج أسرة، مكونة من اثني عشر أخا وأختا، من تحت سقف وفرَّ لها أمانا ومحبة، إلى بيت مستأجَرٍ، هذا يعني أن العائلة ستواجه قلقا واضطرابا، مقابل ذهاب هشام إلى الولاياتالمتحدة لإكمال دراسته! أمام هذه الحال، اقترح هشام على والده، أن يذهب لزيارة الأمير فيصل بن عبدالعزيز، ولي العهد آنذاك، الذي ألحقه بالبعثة. المؤلف في سطور تركي الدخيل إعلامي وصحفي وناشر سعودي عمل وأسهم في تأسيس مجموعة من المؤسسات الإعلامية والجوائز مثل: قناة العربية، جريدة الحياة، جريدة الشرق الأوسط، موقع إيلاف، جائزة الشيخ زايد للكتاب. عضو مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية مدير عام قناة العربية رئيس مركز المسبار للدراسات والبحوث، ودار مدارك للنشر