"يقولون ما لا يفعلون"، نداء بلسان الوحي يصنف تضاد القول والفعل. كان الضمير في الآية عائدا على الشعراء لغاية مبالغتهم في تصوير الأشياء والقول بها دون الفعل، والتي قد تنافي المنطق والواقع، وهي عائدة في وقتنا الحاضر على المستشرفين الذين ينادون بأفكار وأقوال، ويطبقون العكس لها تماما. في داخل كل منا مستشرف "كبر أو صغر"، يجعله يقول ما لا يفعل، وفي مختلف المجالات والأصعدة يوجد. فعلى صعيد قضايا المرأة ووسعها، ينادي أحدهم بكشف المرأة وجهها، ويرى أن ذلك فقهٌ يحاذي الجائز المباح، وتجده يناضل ويقنع ويبرهن حيال هذه القضية، بينما في الواقع يرفض كشف أمه أو أخته أو زوجته وجهها بشراسة، ويبرر هذا بأعذار واهية! وقد يكون المستشرفون أنواعا، فمنهم من فتح للاستشراف مجالا واسعا في حياته، حتى أصبح مستشرفا على نفسه، وأصبح شبيها بالمثالي، ومنهم من ينادي بفكر ما ولا يطبق منه شيئا، وذلك أشد خطورة، فقد يكون ذا تأثير عال في محيطه وبين أفراد مجتمعه، فيتأثر به وبأفكاره النشء، ويطبقون كما ينادي به حتى ولو كان خاطئا!، وهذا أشد خطرا في غواية المتلقي التابع لرؤية المثالية في مستشرف يظهر القول بمفردة اليقين، وحقيقة سلوكه ستار يحجب حقيقة فعل الضد للقول. فضلا عن الصدمة التي ربما يتعرض لها من تأثروا به، حين يكتشفون ما وراء هذا الستار من الاستشراف الخفي.