يشكل بيع جثامين قتلى الحرب، والمطالبة بدفع مبالغ مالية للإفراج عنها، سلوكا مهينا تتبعه عصابات التمرد في اليمن، لانتهاك الكرامة الإنسانية. ورغم أن الخطوة غريبة في نظر الكثيرين، فإن وزير حقوق الإنسان، عز الدين الأصبحي لم يبد أي استغراب أثناء تعليقه عليها، مؤكدا أن الحوثيين وأتباعهم لم يحترموا الأحياء من الشعب اليمني، ولا ينتظرُ منهم احترام جثامين الموتى. مشيرا إلى أن الحوثيين لم يتركوا وسيلة للاعتداء على الكرامة الإنسانية وخرق القوانين الدولية إلا واتبعوها. حزن مضاعف
تضاعف حزن والدة الشاب اليمني، عزالدين علي، بعد أن علمت برفض ميليشيا الحوثي الإفراج عن جثمان ابنها، الذي قتله الحوثيون، في معارك تعز ضد المقاومة الشعبية، وبعد أن بقي الجثمان في العراء أسبوعين، تدخل وسطاء اصطدموا باشتراط الحوثيين نصف مليون ريال يمني "2500 دولار أميركي"، من أجل تسليم الجثمان للعائلة، والسماح لهم بدفنه، وهو ما أجبر أهل الميت بالبحث عن قرض مالي لإكرام فقيدهم. وتأتي تلك القصة في إطار عشرات الحالات التي وثقها رئيس المركز الإنساني للحقوق في مدينة تعز، حمود الذيب، وكلها لأفراد من المقاومة اشترطت ميليشيا الحوثي مبالغ مالية تتراوح من 100 ألف إلى 500 ألف ريال يمني، لتسليم جثامينهم. وأشار الذيب إلى أن الظاهرة تحولت إلى سلوك ممنهج من قبل ميليشيا الحوثي منذ منتصف أبريل من عام 2015، بعد حصارهم لمدينة تعز. وذكرت مصادر محلية في محافظات تعز والبيضاء ومأرب وشبوة وإب، أن الحوثيين يتبعون أساليب ابتزاز وانتهاكات متنوعة لجثامين قتلى الحرب، مشيرة إلى جثث تركت في الوديان والجبال لأشهر، لمقايضتها ماليا أو بجثامين أخرى أو بأسرى لدى المقاومة.
استرجاع 812 جثة
أبدت المتحدثة باسم الصليب الأحمر في اليمن، ريما كمال، تعاطفا كبيرا مع الأهالي الذين لا يعرفون مصير أبنائهم وقالت "يبقى الأمر جرحا نازفا لعائلاتهم التي تنتظر بارقة أمل كل يوم، حتى تعرف إن كان أبناؤها أحياء أم أمواتا، مع أنه تم استرجاع 812 جثة من مناطق النزاع منذ أبريل 2015 وحتى أبريل 2016 بالتعاون مع الهلال الأحمر اليمني". ودعت كمال، بائعي الجثامين إلى أن يحترموا مسؤوليتهم القانونية وكرامة الجثث وتسليمها لذويها دون إبطاء، إما مباشرة أو عن طريق وسيط محايد، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر. يأتي ذلك في وقت يعاني فريق الهلال الأحمر في محافظة مأرب من عدم قدرته على التدخل واسترجاع الضحايا. وقال مصدر في الهلال الأحمر، طلب عدم ذكر اسمه، في تصريحات صحفية، "منذ ما يقارب الشهر تصل إلينا بلاغات يومية وتوجد مئات الجثث في الجبهات ولكن الفريق توقف عن ممارسة مهامه بعد أن قام الحوثيون بإطلاق النار عليهم وأصاب ثلاثة من الفريق بشظايا، إضافة إلى فقر إمكانياتهم". وكشف المصدر أن الانقلابيين سمحوا لهم منذ بداية الحرب في المحافظة باسترجاع 95 جثة فقط، مشيرا إلى بقاء بعضها أشهرا كاملة في أماكن المواجهات حتى أصبحت عظاما وتحللت في العراء.
رؤية قانونية
قال المستشار الخبير القانوني الدولي، فيصل الحميدي، إن جريمة المتاجرة بالجثامين أو رهنها لاستبدالها لم تخطر ببال فقهاء القانون الدولي، وقال "ما يحدث في اليمن يتجاوز نصوص مسودات القانون الدولي، والتي منها اتفاقية لاهاي الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية التي تنص في مادتها الثالثة على مسؤولية القيادات عن جميع الأعمال التي يرتكبها أشخاص ينتمون إلى قواتهم المسلحة". وعن قانون العقوبات اليمني، فقال الحميدي إنه اقتصر على احترام الجثامين وعدم نبش القبور، مستدركا أن المادة "262" من قانون العقوبات تعاقب من اعتدى على حرمة الموتى بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بغرامة لا تتجاوز ألفي ريال، مشيرا إلى عدم ورود أي نص متعلق ببيع الجثامين في الحالات الحربية. بدوره، أوضح رئيس منظمة سواسية، باحث القانون الدولي، المحامي علي هزازي، أن أي اعتداء أو تمثيل بالجثث أو تركها في العراء وعدم السماح بدفنها، أو استخدامها كأدوات ضغط سياسية، يتنافى مع مبادئ وقواعد القانون الدولي التي تقوم على مبدأ احترام الفرد الإنساني، وكرامته الشخصية.