ربما لا يصدق من لم يتابع الشأن اليمني في العقد الماضي -على أقل تقدير- أن المخلوع علي صالح قال يوما في وصف الحوثيين: "هم المعتدون على أمن واستقرار محافظة صعدة، هم أعداء للوطن بصفة عامة ولصعدة ومديرية سفيان بصفة خاصة، يقاتلون بهؤلاء المغفلين واستباحوا الأعراض والنساء وخربوا المنازل ونسفوا الجسور، ودمروا المدارس والمستشفيات، وينفذون أجندات خارجية". وكان المخلوع أجاد طوال ثلاثة عقود اللعب على المتناقضات التي فتكت بالشعب اليمني وقتلت وجدانه الوطني، إضافة إلى ما اعتاده من الأكاذيب والدجل، فهو الذي اغتال الحمدي، وأنكر مسدسه، وقتل الغشمي وتجاهل فعلته، ومارس كل أعمال الغدر والمكر والخداع، واعتاد الكذب في أقواله وأفعاله، مما يكشف خططه وتدابيره ضد اليمن وإنسانه، كما أدى أدوارا متناقضة امتدت إلى مختلف الأشخاص والموضوعات، مما يدل على أن التناقض سمة متأصلة في الرجل، وفقا لمراقبين. سالم البيض لم يكن الرئيس الجنوبي سالم البيض، بعيدا عن حال من سبقه من رؤساء اليمن السابقين الذين استهدفتهم يد الغدر بأمر وتدبير المخلوع علي صالح، بل هو أحد الأحياء الذين لا يزالون شهودا على كذب وتدليس ومراوغات صالح. ورغم أن البيض نجا من ولائم الغداء التي كان يقيمها المخلوع للتخلص من القادة والشرفاء اليمنيين، فإنه لم يسلم من بعض الأساليب الماكرة التي دأب عليها صالح لاستدراج خصومه أو من يعتبرهم خطرا على استمرار حكمه. ومع بداية الحرب اليمنية لاستعادة الشرعية، ظهر المخلوع ممتدحا البيض فقال: "علي سالم البيض رجل شجاع وصاحب قرار، ووقع الوحدة وله رأيه"، كما صرح في مقابلة إعلامية أخرى، قبل نحو شهر، بأنه يتواصل مع علي البيض، وهو ما ينفيه الرئيس الجنوبي بقوله: " لم يحصل أي تواصل بيني وبين المخلوع إلا مرة واحدة حين اتصل بي مستهزئا يسأل عن مذكراتي التي أكتبها فقلت له ساخرا: ما زلت أنتظرك حتى نكتبها معا، وأغلقت هذه المكالمة الوحيدة في وجهه". إشادة بوزير الداخلية استقبل المخلوع في منزله بصنعاء وزير داخلية نظامه، رشاد العليمي، بعد عودته من رحلته العلاجية وقال: "أرحب بعودة الأخ الدكتور رشاد العليمي من رحلة علاجية قضاها أكثر من عام، في المملكة العربية السعودية وألمانيا، والحمد لله على سلامة الأسفار، رغم أن الألم لا يزال موجودا، فهم ضمن قافلة الشهداء الأحياء الذين استهدفهم يوم جمعة رجب في دار الرئاسة ذلك العمل الجبان، بل أسميه عمل سفهاء". وكان العليمي أصيب في حادث انفجار مسجد النهدين بدار الرئاسة في صنعاء، الذي استهدف أثناء صلاة الجمعة، المخلوع علي صالح وقيادات في الدولة في الثالث من يونيو 2011. اتهام بالعمالة في خطوة دلت على الأدوار المتناقضة التي تقمصها المخلوع، حضر قبل أشهر قليلة وتحديدا بعد وفاة رئيس الوزراء اليمني الأسبق، عبدالكريم الأرياني، منزل أسرة الراحل معزيا، وقال: "إن ما حدث أخيرا في اليمن، هو بسبب العملاء"، مشيرا إلى أن رشاد العليمي هو أحد أولئك العملاء القدامى على حد وصفه، وأضاف: "لعلكم اليوم راجعتم صورته، هو أكبر العملاء في صحيفة اليمن اليوم، هذا أحد العملاء الخائنين للوطن، وكان يقدم الإحداثيات للمعسكرات والمؤسسات، وهو عميل قديم". خداع الشعب كثيرا ما يكرر المخلوع عبارة الشعب في لقاءاته وحواراته وظهوره، مظهرا أن همه الأول والأخير هو الشعب اليمني، ومن كلمات التحايل التي كان يرددها ما يأتي: التحية لك أيها الشعب اليمني الصادق والعظيم أينما كنت في الداخل والخارج. الإخوة المواطنون، الأخوات المواطنات في كل أنحاء الوطن في الداخل والخارج، أتوجه بالتحية الخالصة المخلصة لشعبنا العظيم الصامد والصابر. في 2007 إن شاء الله وبتكاتف الرجال الأوفياء والمخلصين معنا سيتم القضاء تماما على الفقر والبطالة. تهديد ووعيد مع بدء انطلاق ثورة الشباب عام 2011، اجتمع صالح بقيادات عسكرية كبيرة، وقال: "الإخوة القادة، سنواجه الشعب حتى آخر قطرة من دمائنا بكل ما أوتينا من قوة، من يقف معنا يا مرحبا به، سواء سياسيين أو غير سياسيين. كسروا كل شيء جميل في اليمن، دمروا كل شيء في اليمن، شعب جبان، خوافون لا يعرفون مصلحة الرئيس". وظهر في جمعة الكرامة مخاطبا الشعب، وقال: "في هذا اليوم العظيم جمعة التسامح، جمعة السلام، جمعة الأمن والاستقرار، هؤلاء المغامرون سنتحداهم وسنصمد وسنواجههم بكل ما استطعنا من قوة وسنتحدى ونتحدى المتحدين، ونحن حريصون كل الحرص على عدم إراقة الدماء، ولكننا سنواجههم بكل الوسائل". الغزو العراقي للكويت لم يكن اعتراض علي صالح خافيا على قرار جامعة الدول العربية بالقاهرة حيال العدوان العراقي على الكويت، بل اعترف بتأييده لصدام حسين في عدوانه. وذات مرة خاطب الإعلاميين الغربيين بقوله: "انقلوا حقائق المعركة، لم تذكروا خسائركم، وهناك تعتيم إعلامي، والمفروض أن تنحازوا للجانب العراقي". وأضاف: "العراق لن يبتلع، ونحن واثقون في شعبنا العراقي، لما نعرفه عنه من صلابة وقدرة وخطط عسكرية ناجحة على مدار خبرته الطويلة، فلذا يجب مراجعة الحسابات، ونشكر إيران على موقفها من هذه الحرب، ونتمنى الأشقاء في تركيا ألا يكونوا ضالين في هذه المسألة". وفي ظهور تلفزيوني حديث، حاول المخلوع أن يطمس حقائق التاريخ ويضع على نور الشمس غربالا، فقال: "أنا أقدر وأثمن موقف الكويت من المحادثات الأخيرة، رغم أن الكويتيين يعتقدون أننا كنا نساعد صدام، والحقيقة أنه لم ينتقد صدام في عقر داره إلا أنا، وقلت له لن: يسمح لك المجتمع الدولي بأن تغزو الكويت، وهي دولة مستقلة". دعم القاعدة قال في إحدى حواراته المتلفزة "الإخوان المسلمون والقاعدة مدعومون أميركيا، وأنا كنت على رأس السلطة وتلقيت تعليمات من الأميركان، تنص على أن أدعم حركة الإخوان المسلمين، وأن يتحركوا إلى أفغانستان لمحاربة السوفييت، وهذا ليس كذبا، بل بناء على مراسلات بيني وبين الأميركان وفعليا دعمناهم". وفي حوار آخر قال "نحن ضد من يخلخل أمن واستقرار اليمن ويتدخل في شؤونه، ولا نقبل على أنفسنا الإرهاب، وهناك كلام أخطر من هذا، ولكن لن أقوله، وهو متصل بالقاعدة، ولا داعي لذكره". وأتبع: "الإخوان هم أساس تنظيم القاعدة، من أين أتى بن لادن والظواهري، كلهم جزء من الحركة الإسلامية، وما يحصل في أبين وحضرموت دليل على أن الإخوان على تواصل مع تنظيم القاعدة". ازدواجية الإفتاء تقنع المخلوع صالح بأكثر من قناع، وعندما خرج عدد من النساء في ثورة الشباب بشارع السبعين يطالبن برحيله ظهر تلفزيونيا، وقال: "ندعو أصحاب اللقاء المشترك إلى أن يحكموا ضمائرهم وأن يأتوا للحوار، وأن نتفق على كلمة سواء من أجل أمن واستقرار هذا الوطن، وأدعوهم إلى منع الاختلاط الذي لا يقره الشرع"، في إشارة إلى تظاهرات شارع السبعين التي شارك فيها اليمنيون بمختلف أجناسهم. وفي المقابل، قدم أسمى آيات الشكر إلى من ناصرنه، وقال في خطاب وجهه خلال لقائه بعدد من القيادات النسائية المؤيدة له: "أشكر القطاع النسائي في كل أنحاء اليمن على المشاعر الطيبة والوقفة الجادة والصادقة والمؤمنة إلى جانب الشرعية الدستورية، فشكرا للبنت والأم والأخت أينما وجدت، لقد أثبتت المرأة اليمنية أن لديها وعيا كافيا ورائعا واهتماما بقضايا الوطن أكثر من بعض الناس الذين يهللون ويكبرون حول المرأة مع أنهم أبعد الناس عن مكافأتها والوقوف بجانبها". وأضاف: "المرأة هي الأخت والأم والزوجة، وهي نصف المجتمع، لقد أشركنا المرأة في العمل السياسي وفي الحقائب الدبلوماسية وفي الحكومة وكل مؤسسات الدولة، وهم يفتون بحرمة الاختلاط ويطالبون الرئيس بجامعات ومدارس مستقلة للمرأة، ونحن لا نشك في بناتنا ولا أمهاتنا ولا أخواتنا". الحوثيون أعداء الوطن كثيرا ما وصف صالح، إبان حكمه، المتمردين الحوثيين في صعدة، بالخارجين على النظام، رافضا ما يقومون به من عنف. وورد في بعض خطاباته ضد حوثيي صعدة: "تريد أن تعود يا بدر الدين الحوثي إلى اليمن بعد 46 عاما. هذا مستحيل بدليل كثرة أعداد الشهداء الذين سقطوا في حجة، والذين ذبحوا في تعز". وأضاف "الحوار هو المرتكز، وعلينا أن نحتكم إلى صناديق الاقتراع والديمقراطية وليس من خلال العنف الذي نرفضه وسنقاومه بالعنف". وقال في مناسبة أخرى: "نحن لا نريد الحرب، وسمحنا لهم المرة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة، وهذه هي الحرب السادسة، وقد فرضت علينا كما فرضت الحروب السابقة بقطع الطرق والتلغيم والاعتداء على المواطنين وعلى السلطات الحكومية والأمنية". وتابع: "هم المعتدون على أمن واستقرار محافظة صعدة، هم أعداء للوطن بصفة عامة ولصعدة ومديرية سفيان بصفة خاصة، هم يقاتلون بهؤلاء المغفلين واستباحوا الأعراض وخربوا المنازل ونسفوا الجسور، ودمروا المدارس والمستشفيات، هذا انتقام من أبناء محافظة صعدة، عندنا 18 ألف نازح من مديرية حرض، بينهم أطفال ونساء، ولا يزال النزوح جاريا، إنهم استباحوا النساء والأعراض في صعدة". وجه مختلف بوجه مختلف، ظهر المخلوع عقب دخول الحوثيين صنعاء بتسهيلات منه شخصيا، وقال: "كان الحوثي في السنوات الماضية في صعدة، وكان على خلاف معي على النظام الإداري والسياسي، لكننا تصالحنا مصالحة الرجال للرجال". ثم عاد صالح إلى إنكار وجود تحالف بينه وبين متمردي صعدة، زاعما أن ذلك ليس إلا ترويجا ودعاية كيدية تبثها للشارع والسفارات أطراف سياسية معروفة على خلاف مع المؤتمر الشعبي العام، ولديها خصومات سابقة، سواء كانوا ناصريين أو اشتراكيين أو الإخوان المسلمين، وقال: "ليس هناك أي تواصل مباشر بيني وبين عبدالملك الحوثي". ولم يلبث المخلوع طويلا حتى اعترف بوجود رابط قوي بينه وبين الحوثيين، وقال: "نحن في اصطفاف واحد وفي خندق واحد، ونحيي المقاتلين في أنصار الله الذين يقفون بجوار الجيش والشعب، نحييهم ونحيي صبرهم وصمودهم". ويتضح مما سبق تحول خطاب صالح، من لفظة الحوثيين، إلى أنصار الله، وهو الاسم الذي يفضله انقلابيو صعدة. التدخل الإيراني اعترف المخلوع مرارا بالوجود الإيراني على الأراضي اليمنية، وفي ظهور له على قناة الجزيرة، إبان حكمه، قال: "الصدر والإيرانيون لهم صلات مباشرة بالحوثيين، لكونهم عرضوا عبر قنوات سرية الوساطة بين السلطات اليمنية وجماعة الحوثي". لكن صالح في ظهوره الأخير، على قناة "روسيا اليوم"، أنكر أي وجود إيراني في اليمن، سواء كان معنويا أم ماديا، وقال: "أتحدى العالم أن يثبت دعم إيران لنا أو وجودها في اليمن"، داعيا كل من يملك الأدلة في هذا الشأن إلى أن يقدمها إلى الأممالمتحدة، مشيرا إلى أن الانقلابيين سيتحملون المسؤولية. وامتد تناقض المخلوع إلى مسألة عودة الرئيس هادي إلى اليمن، حيث رحب بها بأكثر من وجه، مرحبا به تارة، ورافضا رجوعه أحيانا، كما أنكر وجود قوات الجيش معه في حربه على الشرعية الدستورية، قبل أن يعترف بسيطرته على قوات الجيش وانتشارهم في أكثر من مكان. وفي تصريحات أخرى متناقضة، أعرب المخلوع عن استعداده للانسحاب من الحدود السعودية وإيقاف إطلاق الصواريخ فقال: "أنا مستعد لإيقاف الحرب من الآن، وأنا أتحدث باسمي واسم أنصار الله"، ثم عاد بوجه مختلف فقال: "سنقاتل وسنصمد حتى يأتي الأجل من عند الخالق، عز وجل". الإخوان في ميزان صالح ظهر علي صالح متحدثا عن دور الإخوان المسلمين في الوحدة، وقال: "هم دخلوا معنا في تحالف 94 ضد الانفصال، وكان موقفهم جيدا. ودخلنا في ائتلاف مع الإصلاحيين"، لكنه سرعان ما انقلب عليهم ووصفهم بالعملاء، وقال: "العملاء في تنظيم الإخوان المسلمين، حزب الإصلاح، مرتبطون بأوثق العلاقات مع أعداء الأمة ومع أجهزة الاستخبارات الأجنبية الذين وقفوا ضد الوحدة وتآمروا عليها منذ الوهلة الأولى لقيامها، وأصدروا الفتاوى الشرعية التي أباحت دماء اليمنيين وانتهاك أعراضهم وحرماتهم ونهب ومصادرة ممتلكاتهم، أو أولئك المتنطعون من بقايا الناصريين والاشتراكيين ومن في شاكلتهم الذين كانوا -وما زالوا- مرتهنين للخارج في السابق وفي الحاضر يلهثون وراء المال المدنس، متنكرين لتاريخهم النضالي، ومتخلين عن الفكر القوي المتحرر الذي كانوا يزايدون به على الآخرين ورفع الشعارات الزائفة والمخادعة". عناصر إرهابية في سجالاته مع الحوثيين قبل أن ينبذه اليمنيون، أكد المخلوع أن الحوثيين إرهابيون ينفذون أجندة خارجية، وقال "إنهم عناصر إرهابية خارجة عن النظام والقانون، وهي عميلة لقوة خارجية وتنفذ أجندة ولا علاقة لها بما تدعيه، إنها تدافع عن نفسها ولا تطلب من الدولة إلا أن تدرس الكتب الزيدية". وأضاف: "يكذبون على الناس ويرفعون شعار الموت لأميركا وإسرائيل، وذلك شعار باطل بدليل أنه لا يوجد أميركيون وإسرائيليون في صعدة وسفيان". حميد الأحمر أثناء العملية الانتقالية، قال المخلوع في حديث تلفزيوني: "أنا أول من يؤيد حميد الأحمر أن يكون رئيس وزراء أفضل من باسندوة، لأن الأخير لا يتحمل مسؤولية بخلاف حميد"، لكنه غير موقفه بعد فترة وجيزة حين سألته قناة روسيا، عن حقيقة امتلاكه 60 مليار دولار، مشيرا إلى أن من يملك هذه المبالغ هو "إنسان فاسد يدعى حميد الأحمر وأودعها في تركيا"، ومعلوم أن حميد الأحمر هو من أوائل من كشفوا رصيد المخلوع البالغ 60 مليار دولار أمام العالم.
المبادرة الخليجية عقب إعلان المبادرة الخليجية لتهدئة ثورة الشباب في اليمن، بادر صالح بالترحيب بها، مؤكدا أن بلاده تشترك مع دول الخليج في روابط متينة، مبينا أنه ليس مستغربا أن يكون لمجلس التعاون الخليجي دور في رأب الصدع بين أطراف العمل السياسي. بوجه مختلف، وأمام تجمع لأنصاره، تنكر صالح للمبادرة الخليجية وانقلب على بنودها، واصفا إياها بتدخل خارجي، وقال: "نستمد قوتنا من قوتكم وثقتنا من ثقتكم، نحن منكم ونستمد قوتنا من قوة شعبنا العظيم، رجالا ونساء، لا نستمد شرعيتنا من أي طرف آخر لا من قطر ولا من غير قطر، فهي مرفوضة، وهذا تدخل سافر في الشأن اليمني، ومرفوض ما تأتي به قطر من مبادرة، نحن نملك إرادتنا بأنفسنا، ووجدنا في اليمن أحرارا لا نستمد قوتنا إلا من شعبنا، وعليهم أن يحترموا مشاعر الشعب اليمني، سواء أشقاء أو أصدقاء".