خبران ومفارقة، الأول وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر يلتقي نظراءه في دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ، 3 – 5 يونيو، في سنغافورة، على وقع التوتر المتزايد بين الصين وجيرانها بسبب مناطق متنازع عليها، كما أعلن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية أول من أمس. والثاني، أن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، يتوجه إلى الصين لإجراء محادثات بشأن عدد من القضايا في الفترة 5 – 7 يونيو، حيث تجري الجولة الثامنة من الحوار الإستراتيجي والاقتصادي بين الولاياتالمتحدةوالصين. أما المفارقة فهي أنه لا يكاد يمر يوم في الولاياتالمتحدة دون أن تصدر بيوت التفكير العديد من السيناريوهات حول الحرب الباردة و"الساخنة" مع روسيا، والمواجهات التي لا تعد ولا تحصى مع الصينوإيران، وهذه الأوراق البحثية في مجملها تنسجم مع التهديدات الوجودية ضد الولاياتالمتحدة في المستقبل القريب، كما يتوقعها الجنرالات في وزارة الدفاع، وهي على الترتيب التالي: روسياوالصين والإرهاب، "داعش" وإيران، كما أشار المحلل الجيوسياسي "بيبي أسكوبار" في تقريره الجديد عن "استهداف روسياوالصينوإيران" الصادر قبل أيام عدة. واحتل خبر انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي والأمني، إلى جانب روسياوالصين، والهند وباكستان قريبا، مساحة لا يستهان بها في السيناريوهات المطروحة، حيث تراهن بكين على ما تسميه الثورة الصناعية الرابعة في هذا المنتدى الاقتصادي العالمي، إضافة إلى أن الصين هي محور مركزي للإنتاج العالمي، فضلا عن الإمداد والخدمات اللوجيستية في حزام واحد هو طريق الحرير الجديد الذي يربط بين أقوي اقتصادات، وأعمق بنية تحتية في جميع أنحاء أوراسيا. قلق أميركي يعتقد أسكوبار أن قوة الصين العالمية، جيوسياسيا، في محور آسيا غير فاعلة حتى الآن، بسبب التحركات العسكرية الأميركية في بحر الصين الجنوبي، فضلا عن القلق الذي يساور الولاياتالمتحدة من أمرين، أولهما العلاقات التجارية المتسارعة بين أوروبا وإيران، والثاني المعاهدات المقلقة التي أبرمت أخيرا بين الهندوإيران. وكانت نيودلهيوطهران عقدتا اتفاقا تاريخيا لتطوير ميناء شاباهار الإيراني بتكلفة قدرها 500 مليون دولار، وهو بمنزلة العقدة الرئيسية فيما يطلق عليه طريق الحرير الجديد الذي يربط الهند بآسيا الوسطي عبر أفغانستانوإيران، وفقا لخبراء. وعقب إبرام الاتفاق مباشرة، أعلنت الخارجية الأميركية أن الصفقة ستتم مراجعتها بدقة من قبل أعضاء مجلس الشيوخ الموالين لإسرائيل، للتأكد من أن الاتفاق لا ينتهك العقوبات الباقية المفروضة على إيران التي ترفض أن تتخلى عن ألاعيبها فيما يخص الاتفاق النووي وتطوير الصواريخ الباليستية وتجريبها. ما لم يذكره أسكوبار، لكنه يصب في الاتجاه نفسه، هو أن مجلس الشيوخ استمع الأسبوع الماضي لشهادة الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، مايكل اليمان، الذي أكد أن إيران منذ توقيع الاتفاق النووي قامت بثماني تجارب صاروخية، ثلاث في عام 2015، وخمس في النصف الأول من 2016، مشيرا إلى تعزيز طهران في الوقت الحالي بشكل أساسي، على تعزيز الدقة وليس مدى الصواريخ، وفقا لموقع تايمز أوف إسرائيل. ويطلب القرار الصادر عن الأممالمتحدة من إيران عدم القيام بأي نشاطات متعلقة بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية، حتى أكتوبر عام 2023، وعلى ذلك تكون إيران قد تلاعبت بالقرار الدولي. الصراع على البلقان الجديد في الأمر هو ما ذكره الكاتب السياسي، جيمس دبليو كاردن، في صحيفة "كونسورتيوم نيوز"، ونشرته "الوطن" قبل أيام، وهو أن الولاياتالمتحدة اعتبرت روسياوالصين بالإضافة إلى إيران أهدافا لدرع الدفاع الصاروخي في رومانيا وأوروبا الشرقية. وحسب معظم الجنرالات في وزارة الدفاع، فإن الأمن القومي الأميركي يقتضي إنشاء الدرع الصاروخي لمنع وقوع هجوم صاروخي من قبل إيران أيضا، رغم توقيع الاتفاق النووي مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا. ووفقا لنائب وزير الدفاع الأميركي، روبرت وورك، فإنه ينبغي العمل على إنشاء الدرع الصاروخي، مشيرا إلى أنه طالما استمرت إيران في تطوير ونشر الصواريخ الباليستية فإن الولاياتالمتحدة ستستمر في العمل مع حلفائها في حلف شمال الأطلنطي. على الصعيد ذاته، يرى أسكوبار أن الخطير في الأمر هو كون الهند تعقد صفقات غامضة مع إيران، تثير القلق والشكوك في واشنطن، في ظل وجود اتفاقيات تاريخية للتعاون العسكري مع الولاياتالمتحدة، تنص على استخدام كل من القوات العسكرية الهندية والأميركية القواعد البرية والبحرية والجوية نفسها، فضلا عن الدعم اللوجيستي في الإمداد والعمليات الخاصة والتدريب وغيره. إقصاء إيران تدفع الولاياتالمتحدة مواجهتها لكل من روسياوالصين إلى منع أي تطبيع حقيقي مع إيران، فضلا عن ضرب التكامل الأوراسي أولا بأول، مما يطرح سؤالا عن إمكانية نجاح الرهان الأوراسي في انضمام إيرانلروسياوالصين وتفويت الفرصة على الصدام مع الولاياتالمتحدة، أو حدوث مواجهات بين أميركا وحلفائها لضرب هذا التحالف الثلاثي. ومن المتوقع أن تكون الأيام المقبلة حبلى بالعديد من الأحداث المتسارعة والدراماتيكية، فللمرة الأولى تنحاز الصينوروسيا لتأييد المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، ضد نظيرته الديمقراطية، هيلاري كلينتون التي أعلنت عام 2009 أن القرن ال21 هو قرن آسيا والمحيط الهادئ بالنسبة لأميركا، مثلما كان القرن الماضي هو قرن المحيط الأطلنطي، إضافة إلى أنها شجعت بلادها حين كانت تتولى منصب الخارجية، على التدخل العسكري في النزاعات البحرية المتصاعدة بين الصين، وماليزيا، والفلبين، واليابان، وفيتنام. أما التحركات المرتقبة لكل من كيري وكارتر بعد أيام في آسيا، ومن قبلهما زيارة أوباما لفيتنام واليابان في اجتماع الكبار السبعة، الشهر الماضي، فليست بعيدة عن المشهد الانتخابي الأميركي وإستراتيجية الولاياتالمتحدة للقرن ال21، فضلا عن سيناريوهات المستقبل بالنسبة للعلاقة مع روسياوالصينوإيران، كما يصورها أسكوبار في تقريره الأخير.