العضل ظاهرة اجتماعية قديمة في البيئات العربية، تتلخص في منع المرأة من الزواج بالرجل الذي تختاره، وذلك لأنه لم يقع ضمن ضوابط القبيلة أو العرف الاجتماعي اللذين يحتكمان إليه. حين جاء الإسلام منع مثل هذه الممارسة، فنزل قوله تعالى: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف". ولم تكن هذه الآية رادعا لمن عاد إلى جاهليته، ومنع المرأة حقها في التعبير عن رغبتها في اختيار شريكها الأبدي، إذ تعد هذه الممارسة القديمة الحديثة أحد نماذج الظلم والقهر اللذين ترزح تحتهما المرأة، وإن أرادت الخلاص فليس لها من منقذ غير اللجوء إلى ساحات القضاء. مؤخرا، ظهر في مجتمعنا نوع جديد من العضل، يبدو غريبا في ظاهره لكنه يظل عضلا، هذا النوع الجديد لم ينل حظه كسابقه من النقد، ولم يجد حلولا مثل نظيره. ذاك النوع هو ما يمكن أن يسمى بالعضل الفكري أو الثقافي، والسبب في إهمال الحديث عنه، قد يعود إلى أن مجتمعنا ما يزال ينظر إلى أن أبسط حقوق المرأة الفكرية هي مقعد تعليمي تتخرج منه لتجد وظيفة تعليمية تنال عليها أجرا، تصبه في يد ذلك الرجل الذي سمح لها بالخروج سابقا للدراسة أو الآخر الذي سيمنحها حق الحياة زوجة وأما؛ وهي في الحالين تعاني عضلا اقتصاديا، يمنعها أبسط حقوقها المالية، لكن الحقيقة الثابتة أن هذه المرأة التي ما تزال تحت هذه الصورة ترزح تحت ظلم العضل الفكري الثقافي هي ذاتٌ لها لسان ناطق، وتمتلك وقودا حبريا يسري في القلم الذي تمتلكه، يمكن له أن يقلب الموازين ويحرك الجوامد، لو أتيحت له تلك الحرية، وخرج من عنق العضل الذي يخنق قدراته. إن العضل الذي حرم المرأة قديما من اختيار شريكها في المؤسسة الزوجية، ظل يلازمها إلى مطلع هذا القرن، متتبعا حالتها الفكرية، متجاوزا في بعض أحيانه في إعطائها بعض الحرية، مع بقائه متخيرا لتخصصها الدراسي ومجالها العملي، واقفا لها بالمرصاد أمام التخصصات الأخرى، وما التكدسات التي نراها اليوم في قوائم الانتظار للوظائف التعليمية إلا صورة مؤلمة لذلك الظلم الاجتماعي، الذي قد يتمادى ليكف يد الأديبة والمفكرة عن الإمساك بالقلم، لأن جرة منه قد تكشف بعض سوءات المجتمع الظالم لنصفه والمنصف ظلما لنفسه. ويصبح هذا الجرح أشد ألما وأكثر نزفا، حين تقع تحت نيره ذات الفكر والإبداع والثقافة، فحتى إن أعطيت بعض حقوقها فإنها تظل متألمة؛ لأنها تدرك أن لها في هذا المجتمع مثل ما لذلك الآخر الذي يمنحها الفتات ويتمتع هو باللب؛ فهي بذلك تعيش مأساة أشد من تلك التي لا تدرك حقوقها ولا تعرف ما سلب منها وما أخذت. هذه الأنثى "العار"، في نظر العقليات المتخلفة، تمتلك غالبا عقلية فذة تقهر بفعل الوصاية الذكوريّة التي تفرض عليها من الداخل والخارج، ويمارس عليها العضل المغلَّظ دون أن تسطيع منه فكاكا، فخروجها عن ربقة العرف الاجتماعي الأسري أو القبلي سيجعلها غير مقبولة في المجتمع الأكبر، وأدهى ما في هذا الأمر أن ممارسي العضل غالبا أقل منها قدرة وذكاء وعلما، والأشد هتكا للمحرمات الاجتماعية الأخرى، يمارسونها تحت سلطة المجتمع الذي يعطي الرجل ويحرم المرأة بمسمى العيب. فلكل من يحصر عضل المرأة وحرمانها من حقوقها في قيادة السيارة، أقول: حين تقود المرأة مصيرها وتصبح حرة في قراراتها الشخصية، حينها من اليسير أن تقود عجلات أربع بكبسة زر.