في ظل غياب إحصائيات رسمية ترصد حالات التحرش ضد العاملات في القطاع الصحي سواء الحكومي أو الخاص، اتهم اختصاصيون الإدارات الصحية في كلا القطاعين بأنها تمارس تكتما على هذه القضايا، وتحاول بقدر المستطاع ألا تصل إلى مراكز الشرطة أو أروقة المحاكم، والاكتفاء بحل الشكاوى التي تردها من الممارسات الصحيات من ممرضات وعاملات تعرضن للتحرش بشكل ودي، وكذلك فرض عقوبات إدارية ومالية ضد المتحرشين في حال ثبت عليهم الجرم. تكتم متعمد تؤكد رئيسة المجلس العلمي للتمريض بالهيئة السعودية للتخصصات الصحية سابقا واستشارية التمريض الدكتورة صباح أبو زنادة ل"الوطن"، أن حالات التحرش ضد الكادر التمريضي النسائي داخل المنشآت الصحية لا تصل إلى القضاء، مشيرة إلى أن أغلب هذه الحوادث يتم التكتم عليها أو الصلح بين الطرفين من قبل إدارات المستشفيات أو توجيه اللوم للممرضات بأنهن السبب وراء ذلك. وأرجعت أبو زنادة سبب حدوث بعض حالات التحرش ضد الممرضات داخل المنشآت الصحية إلى غياب النظام الذي يفترض أن يكون قد سن لمعالجة هذه القضايا ومعاقبة مرتكبي التحرش. وأوضحت أن هذا الجرم يكون على شكل نوعين، الأول تحرش من قبل الممارسين الصحيين فيما بينهم، أو تحرش من المرضى والمرافقين معهم ضد الكادر التمريضي. وبينت أن جميع حالات التحرش التي تحدث يكون الملام الأول فيها المرأة، حيث اتهمت أبو زنادة الإدارات الصحية بالبحث عن عيوب الضحايا من الممرضات وغيرهن أثناء التحقيق معهن في أي واقعة عندما يتقدمن بالشكاوى. وأضافت أن المحققين في هذه القضايا من الرجال يضعون اللوم على المتحرش بهن بسبب إما كشف وجوههن أو عملهن في بيئة مختلطة مع كوادر رجالية، دون الالتفات لوضع عقوبات صارمة تحترم وضع المرأة العمالة بالكادر التمريضي وما تقدمة من خدمات لكل المرضى. وذهبت أبو زنادة في حديثها إلى أنه في حال تقدمت المتضررة إلى إدارة المنشأة بشكوى ضد رجل عامل في نفس المستشفى أقدم على التحرش بها، وتتولى الإدارة التحقيق في هذه القضية، فإنه في الغالب يكون القرار الصادر من مصلحة المتحرش، ولا يصدر في حقه سوى بعض العقوبات الإدارية والمالية التي لا تتناسب مع حجم الجرم، كما تحاول الإدارة إقناع الطرفين بالصلح وعدم تضخيم الأمر وإيصاله للجهات الأمنية والقضائية. أما إذا كانت حالة التحرش قد وقعت من قبل مرضى منومين أو مرافقين لهم، فهنا تتخلى إدارة المستشفى عن الممرضة، وتطلب منها التوجه بتقديم شكوى للجهات الأمنية مما يوقع المرأة في حرج كبير يدفعها للتخلي عن حقها في تلك الشكوى، وبالتالي تضطر إلى السكوت وعدم الإفصاح عما حصل لها. وكشفت استشارية التمريض أن أكثر قضايا التحرش التي تتعرض لها الممرضات تنتهي بتستر دون وصول الأمر لوزارة الصحة، كما تنتهي هذه القضايا في العادة بصلح بين الطرفين، وطالبت أن يُفعّل نظام التحرش الذي لا يزال محبوسا في مجلس الشورى، لأنه في حال تفعيله سيبنى عليه نظام ينص على عقوبات المتحرشين ومنهم من يقدمون على ذلك في المنشآت الصحية. الصحة ترد على الاتهامات قال المدير العام للعلاقات العامة والإعلام في وزارة الصحة عصام توفيق ل"الوطن": أن"لائحة العقوبات الداخلية تعاقب الموظفين المخالفين للأنظمة ومنهم المتحرشون داخل المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، ففيما يخص الحق العام، فإن الموظفين يخضعون لنظام تأديب الموظفين التابع لنظام مزاولة المهن الصحية ونظام العمل والعمال ولائحة التشغيل الذاتي وما تتضمن من عقوبات في هذا الشأن". وأضاف: "فيما يخص المطالبة بالحق الخاص، فإن الأنظمة المعمول بها قد أعطت الحق للمتضرر في المطالبة به في حال ثبوته أمام الدوائر القضائية ممثلة بالمحكمة العامة دون الجهة الإدارية". ظاهرة معيبة يرى الخبير بالأنظمة المستشار القانوني بدر الشويعر أن ظاهرة التحرش تعد معيبة ومخجلة ولا تنم عن الإنسانية، مشيرا إلى أن أشكالها تختلف بحسب الطريقة التي يستخدمها المتحرش ومنها ما يكون على شكل ألفاظ غزلية وإطراء أو النظر والتحديق بشدة أو تعبيرات جنسية عدوانية أو لمس أجزاء حساسة من الجسد. وأضاف الشويعر: "من الغريب أن ضحايا التحرش في مجتمعنا يلامون ويحاكمون ويدانون على أفعال تحت خط المقبول بقليل، في حين يبقى المعتدون أحرارا طلقاء دون عقاب، ويتفاخرون بأفعالهم بين أقرانهم ويتنافسون في اقتراف الجرائم". وأكد المستشار القانوني أن ظاهرة التحرش لها أسباب كثيرة منها ضعف آلية تطبيق العقوبة، وعدم وجود نص شرعي صريح يحدد حجم ومقدار الجزاء، وقلة التوعية اللازمة بالأنظمة، وغياب القدوة وأثره الفاعل في كل مجال، والفراغ والبطالة، والمادة والترف عند البعض. وبين المستشار الشويعر أن مقترحات حلول تقليص نسبة التحرش الجنسي تكمن في ثلاثة دوافع تردع المتحرش قبل الإقدام على ارتكابه وهي: رفع الوازع الديني بالخوف من الله، والوازع الإنساني بالحياء من الذات والمجتمع، والوازع التشريعي بالخوف من القوانين العقابية حيث إن التحرش يعد اعتداء يستوجب العقوبة الرادعة. حالات مسجلة اتهمت إحدى الممرضات العاملات في أحد المستشفيات الواقعة غرب منطقة نجران طبيبا من جنسية عربية بالتحرش بها جسديا. وذكرت الممرضة الفلبينية في شكوى تقدمت بها إلى إدارة المنشأة، أنها تعرضت للتحرش الجسدي عند قيامها بالتوجه لقاعة المحاضرات بغرض إغلاق الكهرباء، ولكنها فوجئت بالطبيب يدخل القاعة ومن ثم يتحرش بها مما دفعها إلى الصراخ. وأضافت أنها لجأت إلى إدارة المستشفى وقدمت شكوى ضد الطبيب، وأكد مسؤول بالمستشفى أن العقوبة التي أصدرتها إدارة المستشفى بحق الطبيب تمثلت في خصم من مرتبه وتعهد خطي بعدم تكرار ما فعله مع تغيير مواعيد دوامه التي تتعارض مع دوام الممرضة. وفي واقعة أخرى، ذكرت الممرضة نجوى (25عاما) أنها أثناء تأدية عملها تواجه الكثير من مشاكل التحرش، مشيرة إلى أحد المرضى فاجأها عندما كانت تقوم على خدمته، وعرض عليها الخروج معه إلى مكان معزول ، فابتعدت عنه وكلفت إحدى زميلاتها بخدمته .