الانسحاب الروسي المفاجئ من سورية ترك خلفه علامات استفهام كثيرة وضعت الإدارة الأميركية في مأزق سياسي حقيقي، ففي حين كان أوباما يراهن على توريط روسيا في المستنقع السوري لتخرج منه خروجا مهينا على غرار السيناريو الأفغاني، فوجئ الساسة الأميركيون بقرار بوتين غير المتوقع بالانسحاب، بعد أن حققت الحملة الروسية معظم أهدافها على حد زعم الرئيس الروسي، لكن الأمر لم يكن كذلك، لأن الخزينة الروسية لن تتحمل فاتورة الحرب غير المبررة كما وصفها بوتين نفسه في ظل انهيار حاد للاقتصاد وصف بالأسوأ منذ تفكك الاتحاد السوفيتي بسبب تدني أسعار الطاقة والخسائر التاريخية للعملة الروسية الروبل، أضف إليه المشكلة الأوكرانية المتفاقمة وضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا وما تبعه من عقوبات اقتصادية غربية خانقة استهدفت شخصيات وشركات روسية مؤثرة، ألحقت بشعبية بوتين لدى مؤيديه خسائر يصعب تعويضها، فضلا عن أن بشار أصبح ورقة سياسية احترق معظم أجزائها، والدفاع عنه أصبح بلا فائدة واقتناع صانع القرار الروسي بعدم جدوى الحل العسكري لإنقاذ نظام بشار الدموي. ثم إن التحالفات العربية الإسلامية أصبحت أكثر إصرارا من أي وقت مضى على حسم المعضلة السورية المزمنة تحت مظلة التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، ما أثار مخاوف بوتين من تطور الأمور إلى صدام مسلح محتمل بين روسيا من جهة، وأميركا وحلفائها من جهة أخرى، قد يتطور إلى نزاع عالمي شامل تصعب السيطرة عليه.