تدين روسيا القيصرية في تاريخها إلى القيصر ايفان الرابع الملقب بالرهيب (1530-1584) والملقب بأمير موسكو وعموم روسيا، وهو أول القياصرة المتوجين العام 1547، والذي ادار البلاد بسلطة مركزية كاملة، وحول روسيا لمجتمع متعدد الأعراق، ولكنه في مقارنته مع فلاديمير بوتين مختلف في كونه لا يحب العنف ولا ينهي الصراعات والثورات بالدم، فيما لا يعرف فلاديمير بوتين شيئاً من ذلك اللطف مع مخالفيه والثائرين ضد مركزيته، لكن بوتين يعي تاريخ مدينته ومسقط رأسه وحلم القياصرة العظام، والمدينة الأم لكل الحصارات العسكرية ليننغراد، والتي اشتهرت بحصارها العظيم من قبل دول المحور (المانيا وإيطاليا واليابان) في الحرب العالمية الثانية وخرجت من حصارها منتصرة بعد حصار استمر من 9/9/1941- 18/1/1943. وقدر لليننغراد أن تكون مهد الشيوعية، التي كونت شخصية روسيا وشكل الحكم الذي اصبح اتحادا استمر إلى نهاية عقد الثمانينات من القرن العشرين مع آخر رؤسائه ميخائيل غورباتشوف، وفي هذا التاريخ الذي شهد سياسة البيريسترويكا او إعادة هيكلة الدولة حيث أحاط غورباتشوف نفسه بالمستشارين الاقتصاديين لتطبيق برنامجه بين عامي 1985-1987 كان فلاديمير بوتين يتكون قانونيا بعدما تخرج بالحقوق من جامعة ليننغراد وعمل حتى عام 1990 في المانيا كدبلوماسي وقبل ذلك مساعدا لرئيس جامعة ليننغراد وبعد العام 1990 انطلق في الأجهزة السياسية والأمنية وديوان الرئاسة حتى آب 1999 عندما عينه الرئيس الروسي يلتسين رئيسا لحكومة روسيا الاتحادية، فغير بذلك وجه التاريخ واصطبر على سنوات الانهيار والضعف الاقتصادي لينقل روسيا من دولة منهارة، ويقلب موازين القوى وينهي اليوم التفرد الأمريكي الذي استمر طيلة عقد التسعينيات من القرن العشرين. في ذلك العام 1999 شهدت العلاقات الروسية السورية تطورا مهما حيث انعقدت قمة سورية- روسية عقدت بين الرئيسين السابقين السوري حافظ الاسد والروسي بوريس يلتسين، لتعلن بداية تحالف امتدّ وترسخ في عهد الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين، والأخير هو آخر القياصرة غير المعلنين الذي يعرف أهمية العمق السوري والحضور الروسي على شواطئ المتوسط. فامسك بعلاقته مع سوريا وإن كان شهد التفريط بعراق صدام حسين، وانهاءه كحليف سابق للروس. لكن روسيا 2003 حيث نهاية نظام صدام حسين ليست ذاتها العام 2011 حيث المظاهرات التي اندلعت وتحولت إلى ثورة مفتوحة بعد نحو خمس سنوات وهي مستمرة واليد الروسية لا تزال تعاضد كرسي الجمهورية السورية في دمشق لكي لا يسقط وينمحي مع سقوطه تاريخ طويل من العلاقات والتحالف والبحث عن الأدوار. فبوتين ممسك اليوم على زمام الحاضر الروسي والإقليمي ويحضر كزعيم عالمي، يذهب إليه كل الزعماء للبحث عن حل لمعضلة الشرق الأوسط سوريا الراهنة كي يعطي مفاتيح الحل الذي برأيه لا يعني الخلاص من رئيس سوريا المنتخب كما حصل في العراق الذي عارض بوتين حرب أمريكا عليه لكنه لم يستطع ان يوقفها. بوتين هو الرئيس الروسي الأكثر إثارة وتأثيراً في العقدين الأخيرين سواء داخل بلده أو في العالم أو في محيط الشرق الأوسط، حاكم هادئ وشرس في الوقت نفسه، وقادر على ضبط دولته بإيقاع السلط الشمولية والتي لم تتعارض يوما مع رغائب الكرملين والممزوجة أيضا مع طموح السوق والمال الروسي الذي ورث اتحادا ممزقا انتهى إلى دويلات لا تزال موسكو تحضر في عواصمها بوضوح ولعل أوكرانيا والاستيلاء على شبه جزيرة القرم قبل نحو عام تعد مثالا واضحا على القوة الروسية التي فرضها بوتين على الجار العجوز أوروبا وعلى أمريكا. وفي سوريا كان التغلغل الروسي على صعيد الاقتصاد والسلاح والمصاهرة السورية بين كبار الضباط السوريين والروسيات أكبر من أن تنتهي بضغط أمريكي أو عربي. عام 2005 زار بشار الأسد سوريا، كانت سوريا، آنذاك تعرض الأسد لضغط خروج جيشه من لبنان، والذي تحقق، بعد إقامة طويلة منذ العام 1976، وتبعه وفاة الحريري فصار رأس النظام السوري مطلوباً، لكن الأسد عمق شراكته بزيارات أخرى لموسكو كان آخرها العام 2008، ولم تنفع ضغوط الرئيس الفرنسي جاك شيراك بعزله، ولا من لحق به في قصر الإليزيه، ولا حتى محكمة الحريري الدولية التي أضحت اليوم مجرد تاريخ بعدما تاه لبنان بفعل قوة ايران والأسد الحاضرة فيه حتى اليوم. توحد الأسد مع الروس إلى حد التطابق، ومنحهم الأفضلية في الرؤية والتدخل في الملفات الإقليمية التي لسوريا دور فيها، ونظرت موسكو إلى دمشق باعتبارها البوابة الجديدة للشرق الأوسط بعد فقدان العراق، الذي لم يكن بمقدورها الحيلولة دونه. كانت العودة الروسية للمنطقة عبر دمشق وليس سواها، فكان لها اليوم أن تستمر بالدفاع عنها برغم كل الضغوط والمغريات وكان عنوان التواجد الروسي السلاح الروسي والدور الإقليمي في الملفات الإقليمية سواء في القضية الفلسطينية أو لبنان أو مع إيران وفي مقولة الحرب على الإرهاب لاحقاً، كل ذلك السعي كان موجها لأمريكا في سبيل استعادة القطبية العالمية التي ظنت الولاياتالمتحدة أنها انتهت بمقولة صموئيل هنتنغتن «نهاية التاريخ» المعلنة للتفرد الأمريكي وجعل الزمن العالمي زمناً أمريكيا بامتياز. كانت سوريا وحتى اليوم غنيمة القيصر الجديد فلاديمير بوتين الذي يحوم بها، والذي ما زال يحكم نصف العالم مشاطرا باراك أوباما المهمة، دون عنف أو توحش رأسمالي استحق الكراهية كما هو حال أمريكا، فلا مظاهرات ضد بوتين للخروج من سوريا ولا شبه جزيرة القرم إلا في حدود التوظيف الغربي للضغط على موسكو، فيما كان التدخل الأمريكي في التبشير الديمقراطي متوحشا وان سمي ربيعاً في نهايته فأحال البلاد العربية إلى دويلات تكفيرية في العراقوسوريا وليبيا، كل ذلك ما كانت موسكو ترفضه وما بات يشكل الصداع الكبير لأوروبا وامريكا والعرب.