تحولت أمس الساعات الأولى من إجازة نهاية الأسبوع في جبال منطقة جازان من التمتع بالأجواء الربيعية إلى لحظات ذهول وصدمة بسبب معلم متميز اقتحم بسلاحه مكتب التعليم بمحافظة الداير شرق جازان، ممطرا كل من يقابله بوابل رصاص سلاحه الرشاش، مخلفا مجزرة مروعة هزت المجتمع عامة والوسط التعليمي خاصة، ذهب ضحيتها ستة من العاملين في مكتب التعليم بالداير ما بين مشرفين تربويين وإداريين، وإصابة موظفين آخرين بإصابات حرجة. جريمة جنائية أكد مصدر ل"الوطن" أن دلائل التحقيق الأولية تدل على أن حادثة جنائية قد تكون أسبابها خلافات شخصية بين الجاني وأحد المشرفين في المكتب، وحاول الجاني تصفيتها معه، نتيجة اضطرابات نفسية يعانيها، مبينا أنه عند القبض عليه كان يبدو مستسلما. وأبلغ "الوطن" شاهد عيان في المكتب بأن الجاني باشر بإطلاق النار من سلاحه الرشاش فور ترجله من سيارته أمام مدخل المكتب، ويطلق الرصاص في كل الاتجاهات بشكل عشوائي، على كل ما كان يقف أمامه دون تفرقة، مؤكدا أن معظم القتلى كانوا موجودين قرب البوابة أو ممن خرج ليستطلع الوضع.
حاد المزاج أخيرا أوضح أحد العاملين في المكتب أن الجاني لا تربطه أي علاقة مباشرة أو عدوانية مع أحد في المكتب، وأنه حظي قبل فترة وجيزة بتكريمه ضمن مجموعة من زملائه المعلمين المميزين بالمدارس التابعة للمكتب، وأن علاقته بالمكتب والعاملين فيه من إدارة ومشرفين وموظفين علاقة طبيعية، ولا تربطه بهم أي خلافات سابقة. ووصف أحد زملاء المعلم الجاني بأنه كان مثالا للاتزان وحسن الخلق والتعامل مع الجميع. وبين زميل آخر أن الجاني في أيامه الأخيرة أصبح حاد المزاج مرتبكا وكثير الغضب، فيما تناقل زملاؤه صورة لمحادثة أخيرة عبر قروب المدرسة على أحد مواقع التواصل ذكر فيها الجاني أنه تعب من الجدال في المسائل الخلافية، وهو ما دفعه لمغادرة القروب وسط دهشة زملائه.
منضبط ولكن انطوائي أشار مدير ثانوية الملك فيصل بظهران الجنوب يحيى مسفر آل صبحان، والتي بدأ الجاني عبدالله المالكي حياته العملية بها معلما لمادة التربية الإسلامية عام 1428، إلى أن الجاني ظل ثلاثة أعوام يميل إلى الانعزال وعدم الاختلاط بزملائه، إذ كان منطويا على نفسه، رغم انضباطه في عمله وتمكنه في مادته العلمية، وكذلك كان يحب أي نشاط يكرم فيه داخل المدرسة، ولكن يصاب بالانهيار في أي مشكلة كانت تواجهه حتى لو كانت مع طالب إلى حد البكاء أحيانا.
تصعيد أمني وصحي ذكر علي المالكي شاهد عيان من داخل المستشفى، أنه تم نقل المتوفين والمصابين إلى مستشفى الداير الذي اكتظ بأهالي الموظفين بحثا عن أقاربهم العاملين بالمكتب، وسط وجود أمني وتطويق للموقع بحضور مدير شرطة جازان اللواء ناصر الدويسي. وأكدت مصادر أن الجاني فر من موقع الحادثة بواسطة سيارته الشخصية بعد ارتكاب جريمته، ولكن تم القبض عليه في أحد شوارع المحافظة بعد دقائق معدودة من ارتكابه الجريمة، وكان بحوزته وقت القبض عليه سلاحه الذي استخدمه في تنفيذ جريمته.
إحالته إلى الجهات المختصة أوضحت شرطة جازان في بيان لها أنه عند الساعة الثانية ظهرا باشرت دوريات الأمن بمحافظة الداير بلاغا عن قيام أحد مراجعي مكتب التعليم بإطلاق النار على عدد من الموظفين، وهم يؤدون مهامهم، مما نتج عنه مقتل 6 منهم، وإصابة شخصين آخرين، وتم القبض على مرتكب الجريمة، كما باشرت الجهات الأمنية المختصة إجراءات الضبط الجنائي للجريمة، وإحالة المقبوض عليه إلى الجهات المختصة بالتحقيق معه. فيما وردت "الوطن" معلومات بعد بيان الشرطة أن أحد المصابين توفي ليرتفع عدد المتوفين في الحادثة إلى سبعة ومصاب واحد. وبينت إدارة تعليم صبيا، أن مكتب تعليم الداير التابع لها تعرض ظهر أمس لحادث اعتداء مسلح راح ضحيته ستة من منسوبي المكتب، ثلاثة مشرفين تربويين وثلاثة إداريين، فيما تمت إصابة اثنين من الإداريين حالة أحدهما حرجة. وانتقل مدير تعليم صبيا الدكتور عسيري الأحوس وعدد من قيادات التعليم بصبيا إلى الداير للوقوف على حالة منسوبي المكتب، والاطمئنان على المصابين. كما تلقى اتصالا من وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى للاطمئنان على حالة المصابين، موجها بتوفير كافة الدعم لهم. مدير تعليم الداير: لا توجد مطالب للجاني أكد مدير مكتب التعليم في الداير محمد جابر المالكي، أنه لا توجد أي مطالب للمعلم المعتدي، قائلا: "نحن في موقع الحدث مشغولون جدا حاليا، ولكن ليس له أي مطالب أبدا، ولا تزال التحقيقات جارية وننتظر النتائج، وبالنسبة لي شخصيا لم نسمع عنه شيئا، قد يكون هناك شيء في المدرسة، ومدير المدرسة لم يسبق أن طلب منا شيئا أبدا، ولا يوجد أي مشكلات خاصة بالتعليم، وتفاجأنا بهذا الحدث جدا". ونفى المالكي في تصريح إلى "الوطن" ما يشاع بأن سبب ما قام به الجاني هو النقل المفاجئ من مدرسته، مبينا أن هذا الكلام غير صحيح ومجرد إشاعات، ولم يتعمد شخصا بعينه أثناء إطلاق النار إذ كان عشوائيا، مشيرا إلى أن مدير المدرسة أدلى ببعض المعلومات ولكنها شبه طبيعية، إذ بين أنهم لاحظوا عليه بعض التغيرات، وكأنها بعض الملاحظات النفسية.
التعليم: نساعد جهات الاختصاص للوصول إلى ملابسات القضية أعرب المتحدث الرسمي لوزارة التعليم مبارك العصيمي في تصريح إلى "الوطن" أمس، عن أسفه لحادثة إطلاق معلم النار على مسؤولي مكتب تعليم الداير بمنطقة جازان، الذي أسفر عن سقوط 6 ضحايا، إضافة إلى إصابة موظف. وقال: من المؤسف أن يشهد الوسط التعليمي مثل هذه الحادثة الشنيعة، مؤكدا أن الوزارة ستسهم بما يمكنها في مساعدة جهات الاختصاص للوصول إلى ملابسات القضية وبحث أسبابها. وأضاف العصيمي: تأسف وزارة التعليم أن يحدث مثل هذا الحادث في الوسط التعليمي خاصة وأن الوسط التعليمي هو من عناصر المكون الثقافي في البلد، وهو مكون للحوار والتنمية الفكرية في المجتمع، كما أن الرسالة التربوية أسمى من أن تشهد مثل هذه الحادثة. وقال: عندما تقع مثل هذه الحادثة فهي ذات بعد جنائي، ويبقى دور وزارة التعليم في مثل هذه الحالة، مساندا ورافدا للوصول إلى الحقيقة، وكشف الملابسات ودعم عمل الجهات المعنية وتحقيق الوصول إلى ملابسات الحادثة. وأشار العصيمي إلى أن الوزارة تتعامل مع هذا الحادث بشكل واقعي، حرصا منها على الانعكاسات الإيجابية في العمل التربوي، مضيفا "نعزي أنفسنا وأسر المتوفين، رحمهم الله". وأضاف أن وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى تواصل مع ذوي المتوفين، ونقل لهم تعازي الوزارة ومنسوبيها. زميل الجاني: كتب رسالتين بالجروب ثم توقف قال المعلم أحمد جبران زميل الجاني في ثانوية الداير سابقا، وشاهد عيان على آخر رسالة للجاني في "الجروب": أنا في جروب المدرسة، وإن الرسالة الصوتية التي وضعت بالجروب عبارة عن قصص عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنها ترسل بشكل مستمر يوميا من المعلم عبدالله الفيفي. وأضاف أن الجاني عبدالله جابر أتى برسالتين على الجروب، علما بأنه لم يكتب أو يشارك في الجروب خلال فترة انتقاله إلى المدرسة الجديدة التي يعمل بها حاليا، مشيرا إلى أنه كتب الرسالتين وغادر المجموعة فورا، ولم يكن يشارك بصفة دائمة، ولا ندري هل هي عن مشاركة عن الرسول أم غيرها. مشرف تربوي: الجاني لم يأت إلينا من قبل أكد المشرف التربوي في مكتب تعليم الداير، حسن سلمان، أنه لم ير الجاني من قبل، ولا يعرفه، وليس للعاملين في المكتب أي علاقة به، ولم يحضر إلى المكتب من قبل، ولم يتقدم للمكتب بأي طلب. وأضاف أنه علم بالحادثة من زملائه، إذ كان خارج المكتب وقت وقوع الجريمة لشراء بعض الأغراض من محل مجاور. وقال إنه أمضى في العمل بمكتب تعليم الداير أكثر من 5 سنوات، ولم يشاهد الجاني من قبل، وإنه علم بالجريمة بعد عودته من المحل التجاري إلى المكتب. مدير المدرسة يروي آخر محادثة مع الجاني روى مدير مدرسة تحفيظ النعامة المتوسطة أحمد جابر ل"الوطن" قصة المعلم الجاني عبدالله جابر المالكي، قائلا إن المعلم انتقل داخليا، بناء على رغبته، إلى مدرسة تحفيظ النعامة المتوسطة من ثانوية الدائر، وذلك من بداية العام الدراسي الحالي، ولم يلحظ عليه أي أمور غير طبيعية، حيث كان متزنا وهادئا ومحبوبا. وأضاف جابر أنه مع عودة الدراسة في الفصل الثاني، لاحظت على الجاني توترا، فجلس معه ودار بينهما الحوار التالي: الجاني: أريد البحث عن الحقيقة. مدير المدرسة: أي حقيقة؟ الجاني: أحس أن كل من حولي يمثل عليّ ويجاملني. وأشار الجابر إلى أنه بعد ربع ساعة من جلوسه معه، خرج المالكي إلى ملعب المدرسة ليلعب مع الطلاب. وأضاف أنه فوجئ به يستأذن من العمل أول من أمس. وذكر أن الجاني سجل في "جروب" مدرسته الجديدة نفس العبارة "أريد معرفة الحقيقة"، ثم خرج مباشرة من الجروب، ولم يكن لديه أي توجه، وإنما كان يبني منزلا ومتزوجا ولديه أبناء. الجاني في سطور الاسم/ عبدالله جابر المالكي العمل/ معلم التخصص/ تربية إسلامية المدرسة/ ثانوية الداير العمر/ 35 عاما الحالة الاجتماعية/ متزوج ولديه أبناء