يمكن اعتبار الأزمة الاقتصادية التي يعانيها إقليم كردستان حاليا من التحديات الكبيرة التي تواجهه بعد أن تجاوز خطر تهديد داعش الأمني والعسكري عليه، وإن كان الانتصار على داعش هو انتصار على الآخر فإن تجاوز الأزمة الاقتصادية الحالية سيكون انتصارا على الذات، يمنح الإقليم ثقة أكبر وقدرة عالية على تجاوز المحن مستقبلا. وقد يستغرب البعض إذا قلت إنه كما أن لهذه الأزمة سلبيات كثيرة على حكومة وشعب كردستان فإن لها جوانب إيجابية يمكن الاستفادة منها والبناء عليها مستقبلا، شرط أن تحسن حكومة الإقليم التعامل معها. ومع إيماننا المطلق بأن الإقليم قادر على تخطي هذه الأزمة الجديدة، إلا أن هناك سؤالا يجب علينا مواجهته وهو: هل الحلول التي تبنتها حكومة كردستان كفيلة بتجاوزها والقضاء عليها؟ إن سياسة التقشف، وإضافة مداخيل جديدة على ميزانية الإقليم اعتمادا على حزمة الإصلاحات التي تخطط لها الحكومة، وتخفيض رواتب المناصب الكبيرة والموظفين ذوي الدرجات العالية، وكذلك إيفاء ديون الحكومة على الشركات المحلية والمواطنين، كل ذلك قد يشكل حلولا جزئية لبعض جوانب الأزمة، إلا أنه لا يعتبر حلا شاملا لها مهما توالت الإصلاحات. فالنقطة الرئيسة التي يجب على حكومة الإقليم مراعاتها هو عامل الزمن، الذي يفوق في أهميته أهمية الإصلاحات نفسها، وذلك للأسباب التالية:- -التطورات التي تشهدها المنطقة والتي تنبئ بحصول تغيرات جذرية في خريطتها السياسية، تحتم على الأطراف التي تريد استثمارها أن تكون في وضع سياسي واقتصادي صحي، لذلك فسرعة إيجاد حلول جذرية للوضع المالي الحالي تجعل الإقليم أكثر قدرة على كسب نقاط هذه التغييرات. - توقعات نزول أسعار النفط في الأسواق العالمية إلى مستوى العشرة دولارات تدعو حكومة الإقليم للتسابق مع الزمن في إيجاد حلول جذرية لأزمتها المالية قبل هذا التدني المتوقع الذي لن يكون بوسع الإقليم الاستفادة من وارداته النفطية في حال الوصول إليه. وهكذا فمن الضروري اليوم البحث عن حلول استثنائية في الوقت الذي نستمر فيه بخطط الإصلاح التي قد تسد ركنا صغيرا من هذه المعالجة. هذه الحلول قد تكون خارج الأطر الاقتصادية ولكنها بالتأكيد خطوات سريعة النتائج قد يتعافى من خلالها اقتصاد الإقليم عاما كاملا على أقل تقدير. كنا نتصور سابقا بأننا في الإقليم قد نجحنا بنسج شبكة علاقات واسعة مع المجتمع الدولي بشكل عام، ومع أميركا ودول الغرب بشكل خاص. ولكن يبدو أنه وكما تعاملت الأحزاب الكردية مع هذه الدول من منطلق حزبي وليس حكوميا، فإن هذه الدول بدورها تتعامل مع الإقليم من خلال أحزابه وليس حكومته، والدليل على ذلك إحجام أميركا عن مد يد العون ماديا لحكومة إقليم كردستان في الوقت الذي لا يبخل صندوق الدعم الأميركي عن مساعدة دول لا ترتبط معها بعلاقات قوية كما مع إقليم كردستان؟ فأمريكا ومنذ اتفاقية كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر تخصص لمصر ما يعادل ملياري دولار كمعونات سنوية غير قابلة للرد. وكشف تقرير لهيئة المعونة الأميركية أن هذه الأخيرة قد منحت مصر سنة 2007 ما يعادل 9 مليارات دولار كمساعدات اقتصادية. وكذلك فإن السلطة الفلسطينية تحصل على ما يعادل نصف المليار دولار سنويا كمعونات أميركية غير قابلة للرد "تزيد وتنقص حسب العلاقات السياسية بين الطرفين". وكذلك الحال مع الأردن التي تحصل على معونات سنوية تقدر بمليار دولار. أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي فإنه قد حدد سنة 2009 مساعدات بمائة مليار يورو كمساعدات للدول الفقيرة بين 2013 – 2020 لمكافحة التغيرات المناخية... وبغض النظر عن التزام الاتحاد الأوروبي بهذا الاتفاق إلا أننا نتصور أن محاربة داعش والتصدي له من إقليم كردستان أهم بكثير من مكافحة التغيرات المناخية التي تقوم بها بعض الدول الفقيرة والتي تحتاج إلى أموال لدرء هذه التغييرات. ولكي لا يعاني إقليم كردستان من أية أزمات مالية فإن المبلغ الذي يحتاجه كميزانية سنوية لا يزيد على عشرة مليارات دولار، يمكن توفير أكثر من نصفه من خلال وارداته النفطية، بينما يمكن توفير ما يقارب المليار دولار من خلال الإصلاحات التي تقوم بها حكومة الإقليم، وهكذا فلن يحتاج الإقليم لأكثر من أربعة مليارات دولار كمعونة سواء من أميركا أو الغرب. وإذا كانت أميركا قد رفضت تقديم معونة للإقليم فيمكن المطالبة بالمبلغ كقروض آجلة يدفعها بعد تجاوز أزمته الحالية. هناك نقطة يجب الإشارة إليها وهي أنه بدلا من تحميل المواطن الكردستاني أعباء الأزمة الحالية في مطالبته بالصبر تارة واستحصال قروض الحكومة عليه تارة أخرى، فإن من الواجب على الأحزاب الكردستانية تحمل هذه الأعباء بدلا عنه. فهذه الأحزاب وطيلة السنوات الماضية كانت تحصل على ميزانية سنوية وفق قانون الأحزاب الذي يسمح لها رسميا بأن تمول من قبل المؤسسات المالية في كردستان "كل حسب شعبيته وحجمه في الحكومة"، لذلك فهي مطالبة اليوم بأن تضحي بقسم من أموالها في سبيل شعب كردستان الذي يضحي بأبنائه من أجل أن تبقى هذه الأحزاب آمنة مطمئنة في كردستان، ولا أتصور بأنها عاجزة عن توفير هكذا مبالغ من خلال المطالبة من دول المنطقة التي ظل قسم منها يقدم لها خدمات مجانية طيلة هذه السنين من خلال مواقفها السياسية. لا يمكن لإقليم كردستان الذهاب نحو خطوة تقرير المصير ومن ثم الانفصال فيما لو استمرت الأزمة الاقتصادية تهدد بنيته، فلدخول مرحلة "الاستقلال" يجب أن نكون في وضع صحي سياسيا واقتصاديا. ومهما تكن مرارة الوضع الذي تمر به كردستان فإن بالإمكان تحويله إلى نقطة انقلاب نتخلى فيها عن السنة السيئة التي سنتها بعض الدول النفطية في المنطقة في اعتمادها على وارداتها النفطية فقط، دون الالتفات إلى مصادر مالية أخرى، فكردستان لديها مقومات كثيرة تستطيع الاعتماد عليها، سواء من حيث ثروتها البشرية أو إمكاناتها الزراعية والصناعية، ناهيك عن مقومات السياحة التي تنفرد بها في المنطقة والتي لو استثمرت بشكلها الصحيح يمكن أن تنافس النفط من حيث الواردات.