قرأت مقالا للأخ عيسى الغيث بعنوان (شرعية هيئة الأمر بالمعروف بين الافتئات والكهنوت) نشر في "الوطن" بتاريخ 26 /3/ 1437 أتى فيه بطامات إن كان يعلم، وإن كان يجهل فالمصيبة أعظم، والعجب لا ينقضي حينما تتغلغل في الرجل، وتسيطر على عقله وفهمه ولسانه، فيأتي بالعجائب، قال: "من يطالب بإلغاء أو دمج الهيئة بالداخلية، فهذا لم يخالف الشعيرة، وإنما اجتهد واقترح شيئا وفق السياسة الشرعية كأداة لتحقيق مناط الأمر الرباني، ووفق المادة الثالثة والعشرين من النظام الأساسي". أقول: هذا تلبيس، فالمطالبة بالإلغاء مخالفة للشرع الحنيف وإلغاء لما جاء في كتاب الله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، فإن ولي الأمر يجب عليه تكوين أمة لهذا العمل، كما قرر الفقهاء مستنبطين إياه من الآية، فقالوا: "يتعين على ولي الأمر أن ينصب المحتسبين الذين يأمرون بالمعروف متى ظهر تركه، وينهون عن المنكر متى ظهر فعله، ويستظهرون في ذلك بقوة النظام والسلطان"، كما أنه مخالف للسياسة الشرعية كما هو معلوم عند العلماء، وهو مخالف للمادة 23 من النظام الأساسي، ونصها: "تحمي الدولة عقيدة الإسلام وتطبق شرعه وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقوم بواجب الدعوة إلى الله"، وفي النظام الخاص بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إشارة إلى ذلك. فقولك (لم يخالف الشعيرة) باطل، بل مخالف للشعيرة، وكما قال الفقهاء عن ولاية المحتسب: "ولاية دينية يقوم ولي الأمر -الحاكم- بمقتضاها بتعيين من يتولى مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وعد العلماء كالماوردي وأبي يعلى ولاية الحسبة من ولايات الإسلام، وقال ابن تيمية في اختصاصات المحتسب: "فخاصتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيما ليس من خصائص الولاة والقضاة وأهل الديوان ونحوهم، فعلى متولي الحسبة أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها، ويعاقب من لم يصل بالضرب والحبس"، ويقول كذلك: "وأما المحتسب، فله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما ليس من اختصاصات الولاة والقضاء وأهل الديوان (الحسبة في الإسلام: ص8)، وفي الأحكام السلطانية ص 349: "إنه منصوب للاستعداء إليه فيما يجب إنكاره، وليس المتطوع منصوبا للاستعداء"، والنصب من ولي الأمر، وقال (ص: 352): "واعلم أن الحسبة واسطة بين أحكام القضاء وأحكام المظالم" و"ولاية الحسبة من صنع الولاة في كل العصور". وساق الماوردي ص371: "مر إبراهيم بن بطحاء والي الحسبة بجانبي بغداد بدار أبي عمر بن حماد، وهو يومئذ قاضي القضاة، فرأى الخصوم جلوسا على بابه ينتظرون...". وبالسياسة الشرعية ص: 57 ما يدل على استقلال ولاية خاصة بالحسبة كالقضاء، وقد تجمع لرجل "فقد جمع ليحيى بن أكثم بين القضاء وقيادة الجهاد في بعض الغزوات، وجمع لآخر بين الحسبة والشرطة وبين ولاية الحرب والنظر في المظالم". أما الدمج فلا يحقق الغرض الشرعي، ويثقل كاهل الداخلية، لهذا تجد الفقهاء يفصلون بين ولاية الحسبة وولاية القضاء وولاية الشرط، بل الأسلم نقل بعض الاختصاصات من بعض الوزارات لنظام الحسبة، ويدمج الجميع تحت مسمى وزارة الحسبة أو جهاز الحسبة، وهذا ما طالب العلماء به كالشيخ عبدالعزيز بن مرشد في رسالة الماجستير عام 1391 بالمعهد العالي للقضاء. وقد فرقت بين ما هو ديني ودنيوي، وهذا نوع من العلمنة –علمت أم جهلت- فالإسلام دين يحكم الدنيا بالدين، وولي الأمر يعرف بأنه حامي الشرع، ومسيس أمور الدنيا، يسوس الناس بالدين وأول وظائفه حماية الدين، ومما يؤكد انحرافك هو استخدامك لكلمة (كهنوت)، وهذه لغة العلمانيين -ولا حرج إن كانت حقا- لكن وصفك الهيئة بأنها كهنوت وتقصد كهنوتا –طبعا- للمشايخ فهذا كلام العلمانيين الغلاة، ولم نعلم في الإسلام كهنوتا، فهل تقر بوجود الكهنوت في الإسلام وأنت من أصحابه، عندما كنت قاضيا، فهل كنت من أهل الكهنوت؟ ولما صرت مستشارا بوزارة العدل –لما وافق الهوى الهوى جُعلت مستشارا- فهل كنت كهنوتيا حينئذ؟ ولماذا وليت هذا المنصب – هل هو لأجل الكهنوتية التي فيك! فليس في الإسلام هذا اللقب ولا أحد –في تاريخ الإسلام- يعرف بهذا المعنى، فكل يؤخذ من قوله ويرد، فاتق الله فأنت في غنى عن هذا التزلف للعلمانيين، ولا تكن كصاحب السمن والعسل قينان الغامدي في عيبه اللقب وغمزه لي بأني على ولاية المرشد عكس ولاية الفقيه، ففضلا عن أن هذا الكلام خبل واضطراب فهو كلام باطل، فليس عندنا ولاية إلا ولاية ولي الأمر، وتتفرع عنها ولايات الإسلام كما سبق.