لا أظن أن في بلادنا بلدة، بعينها تحولت إلى شيطان، كما هو حال بلدة "العوامية" التي قفزت إلى وسائط الإعلام والتواصل، في السنوات الخمس الأخيرة، لتستحيل نموذجا سيئ السمعة، تلحق به أحداث وتوابع أحداث، بمبرر وبلا مبرر. وحين قرأت مقال الأستاذ قينان الغامدي، المعنون ب"الشيعة السعوديون وإرهاب العوامية: اقتراح لولي العهد"، عاودني الاستياء مما صنعه الإعلام المتعجل -وأنا جزء منه- في شيطنة هذه البلدة الطيبة المبتلاة بقلة من أبنائها، وكثرة متكاثرة من المشنعين عليها. ليس عندي ذرة من ريب في نزاهة الأستاذ قينان الغامدي، ورحابة فهمه. وكوني أحد تلاميذه الصغار؛ لا يمنعني من أن أعتب عليه، حين تورط بسطوة السائد حول صورة العوامية، فكتب مقاله المطول الرصين، بنفس متأثر، جدا، بالنظرة الإعلامية الجائرة التي نفخ فيها من نفخ، لتكون البلدة الواقعة شمال القطيف -في الصورة الوطنية- وكأنها انفلات تام لا يمكن علاجه إلا بالطريقة التي وضع الأستاذ وصفتها..! وقد تفضل الأستاذ قينان علي بإطراء مشكور حول تحقيق صحافي لي أجاز هو نشره في "الشرق"، قبل أكثر من عامين. وأظنه -في المقال- قد غلب اسم "العوامية" على محتوى ذلك التحقيق الذي لم يكن لينشر لولا شجاعة الأستاذ قينان ووطنيته، وسعيه الصادق إلى الإسهام في الحلول عبر الرسالة الإعلامية المتوازنة. وهذا ما عرفته عنه حين تشرفت بالعمل مرؤوسا له. ويبدو أن الأستاذ غفل عن أن التحقيق الصحفي لم يكن يتحدث عن العوامية عينا، بل عن مشكلة انتشار السلاح في محافظة القطيف على نحو مريب، خاصة ذلك السلاح الآتي من خلف الحدود العراقية بعد حرب الخليج الثانية، ليصبح في متناول المراهقين والأحداث الجانحين عاما بعد عام، ويكلف المجتمع عشرات من الأرواح في جرائم قتل، ما كان لها أن تتكاثر وتبطش بالناس لو لم يتم التساهل في شأن السلاح. لقد حدثت الطامة حين فاض استعمال السلاح عن الخطر الأهلي، وصوب مندسون في القطيف أفواه مسدساتهم في اتجاه رجال الأمن، وتحديدا في أكتوبر 2011. حينها تنادى الناس في القطيف، بلا مواربة، ضد العنف أيا كان مستواه ومصدره. غير أن الأحداث تدحرجت سراعا، وتعقدت التفاصيل على نحو صعب الحلول. وبالطبع؛ كان للعوامية نصيب من الأحداث الموجعة. وهي لم تتضرر بالإجراءات فحسب؛ بل تضررت -كذلك- بمخربين ومطلوبين جنائيين نجحوا في أن يرسموا وجها قبيحا للعوامية الطيبة. وجاء الإعلام ليحشر اسم العوامية في جرائم وأحداث ليس للعوامية فيها عقب رصاصة. حتى إن بعض الإعلاميين تجاوزوا حتى على بيانات وزارة الداخلية؛ فدسوا باسم البلدة الطيبة في تقاريرهم، مدعيا بعضهم الاستناد إلى "مصادر خاصة"! أكرر وصف "العوامية الطيبة"؛ لأنني أزعم معرفتها كما أعرف خطوط كفيْ. وما في القطيف، كلها، حاضرة انتشر فيها اسما "سعود"، و"عبدالعزيز"، كما انتشر في العوامية. وأكاد أجزم بأن ما من أسرة في البلدة ليس فيها أحد هذين الاسمين. وهذا الانتشار -اللساني- مأخوذ بعلاقة أبناء البلدة، وطنيا وعاطفيا، بوطنهم المملكة العربية السعودية. ولولا محاذرة المرضى والمصطادين، لسردت قائمة أطول من هذا التعقيب، مستعرضا أبناء العوامية من مواقع الشرف في خدمة وطنهم. وهي مواقع كفاءة وإنجاز نالها العواميون الوطنيون بجدارتهم، لا بواسطاتهم، ولا بمحسوبيات رؤسائهم. العوامية بلدة طيبة، وأظن أن أولى خطوات إصلاح الحال هي أن يعرف إعلامنا -وأنا جزء منه- هذه الحقيقة المحجوبة بالأحداث السيئة. إذ إن الاستمرار في شيطنة البلدة لن يجنى منه إلا مزيد من الشحن ضد مواطنين أبرياء، ثم سحب الشحن على فئة أوسع من المواطنين الأبرياء. من حق العوامية ألا تعامل كشيطان، ألا تزر وزر قلة من أبنائها. من حق الطيبين في البلدة الطيبة أن يعاملوا باحترام. مثلهم مثل أبناء أية بلدة، أو قبيلة، خرج من طهرها أبناء مختلفون.