يخوض شابان سعوديان مغامرة فنية جديدة، يطاردان من خلالها أسئلة ثقافية/ معرفية، تحاول البحث عن جذور اللعبة/ الرقصة الفلكلورية الأولى في الحجاز "المزمار"، وذلك عبر فيلم وثائقي يغوص عميقا في أسرار الرقصة وتفاصيلها، ومحاولة كشف تجلياتها. منتج ومخرج الفيلم وائل أبومنصور حرص وهو يتحدث إلى "الوطن" على ضرورة التعامل مع الفيلم على أنه فيلم، ومشاهدته بجدية وتأمل ومنحه الفرصة الكافية قبل الحكم عليه، خصوصا في ظل مزاج الإنسان المعاصر الميال إلى السرعة، وقدرته على المكوث أمام هاتفه الذكي لساعات لمشاهدة مقاطع سريعة وعدم قدرته على الجلوس ساعة أو أقل لمشاهدة محتوى ترفيهي وفي نفس الوقت جاد، على حد قوله. وعن تفاصيل إنجاز العمل الذي استغرق حوالى ثلاث سنوات يقول أبومنصور: المشاهد تم تصويرها بالكامل في ساحات حقيقية للمزمار في مدنه الرئيسة مكةالمكرمة والمدينة المنورةوجدة، مع شخصيات معروفة لها تاريخها في اللعبة، دون رتوش، أو تدخل درامي، أو افتعال. وحول ماذا إذا كان الفيلم الذي تعرضه قناة "تلفاز 11" على اليوتيوب غدا، في أولى خطوات القناة لنشر المحتوى المحلي وثقافة الإبداع في المملكة العربية السعودية، يمثل توثيقا ثقافيا وفنيا للعبة يقول أبومنصور: "لم نسع للتأريخ لعبة المزمار، أردنا فقط استراق الدهشة، ومحاولة إحياء الأسطورة من جديد، ووضع المشاهد أمام واقع المزمار اليوم بأكبر قدر ممكن من المصداقية والواقعية البصرية"، ويتابع: "واجهنا صعوبة في إقناع بعض المثقفين الملمين بتفاصيل اللعبة، الذين سجلوا تهربا غريبا وغير مبرر ونأوا عن التسجيل والتصوير معنا، لكننا نجحنا في التصوير مع بعض المزمرجية المهتمين بتاريخ اللعبة للمشاركة في الفيلم، وفشلنا في الحصول على التسجيلات المرئية القديمة التي في حوزتهم لليالي المزمار، لكننا في المقابل حظينا بحفاوة من شاركونا بظهورهم في الفيلم، وبشهامتهم وصبرهم وحماستهم للفكرة دون مقابل". ويؤكد أبومنصور: "التأريخ للمزمار ينطوي على صعوبات كثيرة، لأن اللعبة أهملت وانتقلت شفاهة ولم تدون، ولا تكاد تجد عنها أي معلومات تفصيلية في المراجع التاريخية، والأهم أن معظم المزمرجية الذين عاصروا اللعبة وحرسوا ذاكرتها، وتشربوا قصص زواميلها وأساطيرها غابوا عن دنيانا، وهنا لابد أن نثير أسئلة عن غياب الدراسات الثقافية، أو التوثيقية على الأقل للموروث الشعبي والفلكلور، وربما يرجع هذا لغياب الأكاديميات المتخصصة في الفنون وغياب الدراسات العلمية التي تبحث في هذا الشأن في بلادنا، وهذا مأزق خطير في تصوري، لكن ما يبعث على الأمل أن الأحياء الشعبية ما زالت مخلصة للمزمار ولمعانيه وقيمه، لهذه البهجة والانتشاء الذي يسكنك بعد ليالي المزمار الحية فلا تعود كما كنت". وحول ما إذا كان الفيلم "يمكن أن ينظر إليه من زاوية مناطقية ضيقة يكشف أبومنصور عن رؤيته قائلا: "لا ننظر للفيلم على أنه فيلم فلكلوري، حتى وإن تقاطع بحكم الموضوع مع هذه العناوين، ولكننا ننطلق من قاعدة أن سحر الفنون يكمن في لغتها الإنسانية، مهما تنوعت منابتها". التاريخ غير المدون بطل الفيلم ومساعد المنتج فراس عطية فيقول "أظن أن الاهتمام بالمزمار يحمل في طياته تساؤلات مهمة لأزمة الهوية، التي تزداد تعقيدا، وتصعب الإجابة عنها في خضم التغيرات الاجتماعية المتسارعة باطراد"، خضنا في الفيلم، تجربة ثرية جدا على المستوى الشخصي، لأن المزمار أرض بكر بالغة العمق تحمل في داخلها تاريخ الناس غير المدون، أتاحت لي الفرصة للالتقاء بأشخاص سأتألم كثيرا لو لم تضعهم الأقدار في طريقي، وتبقى في ذاكرتي سؤال مهم، وهو المزمار إلى أين؟ أو ما مصيره، خاصة مع وفاة كثير من حراس الذاكرة، حاملين معهم حواديته وأسراره، إضافة إلى التحولات التي مرت بالمزمار. هل يستمر؟ هل يندثر؟ هل يتكيف مع الزمن؟".