لكل إنسان طُموح يعمل لتحقيقه، وأمنيات يسعى إلى بلوغها، فيعمل جاهدا للحصول عليها، وبعضهم إذا أخفق في الوصول إليها يصيبه الإحباط وتنهار قواه ويحزن. ولكن بعض الناس لديه آفاق كثيرة وفضاء أوسع من غيرهم؛ لأنهم يعلمون يقينا أن في الحياة مجالات واسعة وخيارات غير محدودة. فعلى سبيل المثال، من لم يفلح في طلب العلم قد يفلح في التجارة، ومن لم يفلح بهما قد يفلح في وظيفة مرموقة يبلغ بها مراتبَ رفيعة ومناصب قيادية، ويكون له تأثير كبير في المجتمع وهكذا. يعتقد بعض الناس أن معيار النجاح هو ما يمتلكه الشخص من ثروة أو منصب، وهذا غير صحيح، فربما يكون الإنسان ناجحا في مجال اجتماعي أو تطوعي، وربما يكون إنسانا مؤثرا يستفيد من خدماته الملايين من البشر. من الجميل أن يركز الإنسان على هدف أو تخصص معين، ولكن في حالة الإخفاق يجب ألا يعتقد أنها نهاية المطاف، فمجالات الحياة الأخرى كلها في انتظاره، وفضل الله واسع. وربما يتسنى له الإبداع أكثر في مجال آخر. وينطبق هذا على جميع المراحل العمرية، فالطالب الذي لا يستطيع الاستمرار في كلية الطب، ربما ينتظره مصير جميل ومستقبل أفضل في كلية الحاسب أو العلوم أو الهندسة. بل إن البعض يتسنى لهم تحقيق نجاحات كبيرة في سن متأخرة، كما حصل للكولونيل ساندرز مؤسس سلسلة مطاعم "كنتاكي" الذي بدأ مشروعه وهو في سن ال65 عاما. ربما تكون الأحداث المعيقة لتحقيق رغبة ما نعمة من الله أراد بها لنا خيرا، فقد تكون امتحانا لقوة صبر الإنسان، أو نقطة تحوُّل ربما تصرفه إلى مجال آخر قد يبدع فيه، ويكون مميزا أكثر من غيره، وكما قيل الخيرة فيما اختاره الله. الإخفاقات المتعددة التي تحدث لنا ينتج عنها تجربة وخبرة، يمكننا استخدامها كسلاح نواجه به المجهول، ونتعلم منها الطرق الصحيحة لأداء المهمات على أكمل وجه. العقل البشري يدرك أحيانا وجود فرصة عظيمة، ولكنه في الوقت نفسه لا يدرك أن الله سبحانه وتعالى أوجد كثيرا من الفرص الأفضل منها، ففضل الله أوسع مما نعرف ونتخيل. جميل أن يقاتل الإنسان من أجل تحقيق هدف معين، ولكن من المحزن أن يفني وقته وعمره في تحقيق شيء يستحيل أن يتحقق في ظل وجود فرص أفضل في مجالات أخرى. كما أنه على الإنسان أن يواكب تطورات الحياة، وأن يتكيف مع المتغيرات ويهيئ نفسه وعمله في حال احتاج إلى التغيير. شركة نوكيا الفنلندية الأصل، أحد أشهر شركات الهاتف المحمول في العالم، كانت في بداياتها تعمل في مجال تصنيع المنتجات المطاطية والورق، ثم تطورت بعد ذلك للصناعات الكهربائية، إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم في عالم تقنية المعلومات والهواتف الذكية، ولم يستمروا في مجالهم الأساسي، ولم يستسلموا للمتغيرات الاقتصادية، بل طوروا أنفسهم، وغيروا نشاطهم جذريا. أما شركة بولارويد الرائدة في مجال الكاميرات الفورية، التي تصور وتطبع الصورة بشكل فوري، والتي تمتلك براءة الاختراع لهذه التقنية ويصعب منافستها، وتعدّ من أكثر المنتجات تطورا وإبداعا في حينها، وبعد أن توصل المطورون لاكتشاف الكاميرات الرقمية الجديدة، وأصبح العالم مليئا بالمنتجات المنافسة لها لم يستسلموا، فقاموا بالتطوير وإعادة هيكلة منتجهم إلى منتجات أخرى مواكبة، كالكاميرات الرقمية والأجهزة اللوحية والشاشات، وأبدعوا في هذا المجال، وزادت أرباحهم، إضافة إلى تصنيع أجهزة التصوير الطبي. يجب ألا يُضيِّق الإنسان على نفسه في مجال واحد، فالفضاء واسع والخيارات مفتوحة. وهب الله الإنسان قدرات عالية ومواهب كثيرة يجب عليه أن يكتشفها ويعمل على تطويرها، ويستغلها أفضل استغلال كما ينبغي.