أعادت سيول الأمطار التي شهدتها بعض المدن السعودية، وزارة الأشغال إلى الأضواء، شريطة أن يكون إنشاؤها بفكر عصري يواكب متغيرات سوق البناء الحالية، إلى جانب حلول أخرى دعا إليها مختصون، مثل تفعيل مبدأ "الإدارة المحلية للمناطق والمدن"، وتوسيع صلاحيات أمراء المناطق، بعد أن كشفت السيول سوء تنفيذ بعض المشاريع الذي تنوعت أسبابه بين الإهمال وضعف التنفيذ، وعدم كفاءة بعض المقاولين. بعد تكرار كشف السيول والأمطار سوء تنفيذ بعض المشاريع، ارتفعت الأصوات المطالبة بسرعة وضع حلول جذرية لمشكلات وأخطاء تنفيذ مشاريع البنية التحتية. وأشار خبراء متخصصون في شؤون العمارة والهندسة إلى مكامن الخلل ووضعوا الحلول المناسبة من وجهة نظرهم، والتي من أبرزها المطالبة بتفعيل مبدأ "الإدارة المحلية للمناطق والمدن"، وتوسيع صلاحيات أمراء المناطق، إضافة إلى فكرة إعادة وزارة الأشغال بفكر معاصر. الإدارة المحلية رئيس المجلس البلدي بالرياض المهندس عثمان القصبي، يرى أن تفعيل دور إمارات المناطق وإعطائهم دورا أكبر في إدارة مشاريع مناطقهم أمر مطلوب، حيث تتولى إمارة كل منطقة أو المجلس المحلي مسؤولية تنفيذ وإدارة المشاريع، مع تفعيل المراقبة وتقييم الأداء من قبل أجهزة الدولة الرقابية. وأيده في ذلك أستاذ النقد المعماري بجامعة الدمام الدكتور مشاري النعيم، مضيفا أنه من أجل تطوير العمل الإداري في المناطق وتحسين إدارة وتنفيذ المشاريع الحكومية يجب أن تدار المناطق بنظام المؤسسات. وأكد أن الدولة قامت بدورها ووضعت مخططات لنحو 130 مدينة لكن المشكلة أنها لم تنفذ، قائلا: "نعاني من تعديات على أراض يفترض أنها محميات وليست مخصصة للبناء".
آلية الصرف شدد المهندس طارق القصبي على أهمية إعادة النظر في آلية الصرف على مشاريع البنى التحتية، وتحديد مواعيد ثابتة لصرف مستحقات المقاولين وتقييم تكاليف المشاريع بطريقة صحيحة. أما الدكتور مشاري النعيم فقد اعتبر آلية ترسية المشاريع ونظام المشتريات قديمة وغير فعالة، وتوجد مدخلا للتلاعب والتحايل، وهناك عمليات تحايل كبيرة على هذا النظام، وفي الوقت نفسه يعطل التنمية ويبطئ المشاريع ويقلل من جودتها. وأضاف: "نظام المشتريات والصرف المالي الحالي لن يعجل في تنفيذ المشاريع، بل سيضيف للقائمة عددا كبيرا من المشاريع، وما نحتاجه هو التنظيم الواضح لعملية صرف المال العام بعيدا عن البيروقراطية وبما يسمح لمؤسسات الدولة أن تبدع في أعمالها". أخطاء إدارية اعتبر المعماري ورئيس تحرير مجلة البناء المهندس إبراهيم أبا الخيل، أن إهمال المتابعة وضعف تنفيذ المشاريع لا يمكن قبوله، كون ذلك يكلف الدولة الكثير، وينتج عنه مشاريع سيئة مقارنة بالمبالغ الكبيرة التي تنفقها الدولة عليها، وتنفيذها بطريقة غير صحيحة يضر بالأجيال القادمة ويدخل الاقتصاد الوطني في دوامة كبيرة لصيانة هذه المشاريع. وانتقد نظام البناء وتخصيص الأراضي المعمول به، مشددا على وجود فوضى تنظيمية وغياب للاستراتيجيات الواضحة، إذ تتنازع جهات عدة لقطاع العقار والإنشاءات في المملكة، وأدت إلى خلق مشكلات مزمنة في تخطيط المدن وضعف البنى التحتية على الرغم من توفير الدولة جميع الأدوات والمقومات اللازمة لبناء مدن متطورة مستدامة.
ضعف المقاولين بين أبا الخيل أن ضعف إمكانات شركات المقاولات الموجودة والمطورين العقاريين ويراها أقل بكثير من حجم مشاريع البنى التحتية والخدمية التي أوكلت الدولة إليها مسؤولية تنفيذها، مستغربا من النقد الحاد الذي تتعرض له وزارة الإسكان، مؤكدا أن حجم النقد الموجه للوزارة ووزيرها مبالغ فيه، وغير مبرر لأنه لا الوزارة ولا الوزير يمتلكون عصا سحرية لحل أزمة السكن ومشكلات الإسكان المتراكمة من عقود. وقسم قطاع البناء في المملكة إلى سوقين، الأولى سوق المشاريع الصغيرة والمشاريع المتوسطة، وهي بإمكان القطاع الخاص السعودي تولي مسؤولية تنفيذها، أما السوق الثانية فهو سوق المشاريع الكبيرة، حيث لا يوجد شركات سعودية قادرة على تنفيذها في الوقت الراهن، وعلى الدولة إسناد تنفيذ المشاريع إلى شركات المقاولات الأجنبية الكبيرة.
تطوير الأنظمة أكد أبا الخيل على وجوب مراعاة تغير سوق البناء في العالم خلال ال20 سنة الماضية، وظهور مبادئ جديدة على البناء في مجال تصميم المشاريع وفي مجال التنفيذ، إضافة إلى مجال صناعة مواد البناء، وذلك جراء التغيرات البيئية والمناخ، وهناك توجه عالمي إلى تطبيق مبدأ الاستدامة في تنفيذ المشاريع، ومثال ذلك توجه الدول الأوروبية إلى تطبيق مبدأ الاستدامة في توفير مصادر الطاقة في مشاريع البناء منذ السبعينات.