عندما صممت الجهات المعنية آلية التعاقد مع شركات المقاولات لتنفيذ مشاريع الدولة الخدمية، فرضت وجود ضمانات بنكية مناسبة يمكن خلالها ضمان تنفيذ المشاريع وفق بنود العقود المحددة، وإلزام المقاول بالتعويضات في حال إخلاله بأي من البنود، حيث تنص المادة الرابعة والثلاثين من نظام المنافسات على «تقبل الضمانات إذا كانت وفق خطاب ضمان بنكي من أحد البنوك المحلية، أو خطاب ضمان بنكي من بنك في الخارج يقدم بوساطة أحد البنوك المحلية العاملة في المملكة، أو تأمين نقدي إلى جانب الضمان البنكي في الحالات الخاصة بتأمين الإعاشة أو التي تتطلب تأمينا عاجلا بما لا يتجاوز تكلفة الإعاشة أو الأعمال لمدة ثلاثة أيام». ويبدو أن بعض المقاولين لم يعدموا الحيلة، فلجأوا في مخالفات صريحة للأنظمة والقوانين إلى تزوير ضمانات مالية وقدمتها ضمن الوثائق المطلوبة قبل توقيع العقد، وقد تم الكشف عن عدد من حالات التزوير، خصوصا لدى مقاولين تعثروا في التنفيذ، وبالتالي تعثر تطبيق العقوبات القانونية بحقهم بسبب تزوير الضمانات المالية. وزارة المالية تعمل مع الجهات المختصة على الملاحقة القانونية للعديد من الشركات المتورطة بإصدار ضمانات مالية مزورة أثناء تقدمها للمشاريع الحكومية، على خلفية قيام العديد من الجهات الحكومية بتقديم شكاوى وبلاغات بعد اكتشافها تلاعبا وتزويرا في بعض الضمانات البنكية المقدمة من الشركات المتعاقدة معهم، التي تعثرت المشاريع التي تنفذها. ودعت جميع الوزارات والجهات الحكومية لإشعار مؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة الرقابة والتحقيق عن أي ضمانات بنكية يثبت لدى الجهة الحكومية عدم صحتها لاتخاذ ما يلزم نظاما. وفي الوقت الذي وصف فيه وزير المالية هذا التصرف بالتحايل والإخلال بشرف وأخلاقيات المهنة، مؤكدا أن ذلك سيعرضهم للملاحقة القانونية من قبل الجهات المختصة، وهو أحد أسباب تأخر تنفيذ الأعمال والمشروعات الحكومية محل التعاقد معهم. فإن الوزارة، ومن أجل الحفاظ على حقوق الجهات الحكومية وضمان عدم تأخر المشاريع، أعطت حلولا وقتية حتى ينتهي العمل لإصدار ضوابط لمنع تكرار هذه المخالفات بالتنسيق مع مؤسسة النقد العربي السعودي، منها مخاطبة المركز الرئيسي للبنك المحلي أو فرع البنك الأجنبي بالمملكة المصدر للضمان فور استلام الضمان البنكي وقبوله مبدئيا والحصول من البنك على خطاب تأييد يؤكد صحة المعلومات الواردة بالضمان وقيمته ومن ثم استكمال الإجراءات النظامية بعد ورود خطاب التأييد المذكور. التمويل الأجنبي كحل يخرج المقاول من مأزق التعثر لجأ بعضهم إلى البحث عن التمويل من بنوك أجنبية يتم تسهيلها من خلال بعض المكاتب الاقتصادية الاستشارية المحلية، بالنظر إلى الإحجام الذي تعرضت له في قضية التمويل من قبل البنوك السعودية. خبراء اقتصاديون أكدوا أنه في ظل وجود إحجام في التمويل من قبل البنوك المحلية، فإن الدور الطبيعي سيكون للبنوك الأجنبية، ويلفت الدكتور علي دقاق إلى أن عددا من المستثمرين في قطاعات متعددة في المملكة أصبحوا يبحثون عن تمويل البنوك الأجنبية من خلال مكاتب الاستشارات الاقتصادية، وأشار إلى أن استمرار إحجام البنوك المحلية عن التمويل لن يكون سليما، في ظل المشاريع الاقتصادية الكبيرة التي تنفذ في المملكة، معتبرا أن دفع عملية التمويل ستكون مجدية اقتصادية لجميع الأطراف. فيما يؤكد رئيس لجنة المقاولات في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض فهد الحمادي على ضرورة أن يكون للبنوك المحلية النصيب الأكبر من التمويل، معتبرا أن قطاع المقاولات يعاني منذ فترة طويلة شح التمويل، مشددا في الوقت ذاته على ضرورة تفعيل قرار إنشاء صندوق للمقاولين ليساعد على التمويل، أو أن يكون القطاع تحت مظلة هيئة مستقلة تسهل مشاريعه. تأكيد ونفي ورغم تأكيد القطاع الخاص العامل في مجال المقاولات على إحجام البنوك عن تمويل منشآت الأعمال، وما يتركه ذلك من آثار اقتصادية سلبية جراء إحجام البنوك المحلية وصناديق التنمية الحكومية عن تمويل منشآت الأعمال والأزمة المالية العالمية وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد الوطني بصفة عامة وقطاع التمويل ومنح الائتمان بصفة خاصة، فإن مؤسسة النقد تؤكد على لسان محافظها أن البنوك المحلية ما زالت تسهم بشكل كبير في تمويل أنشطة القطاع الخاص، حيث بلغ الائتمان البنكي المقدم للقطاع الخاص في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 نحو 723.4 مليار ريال، وهو ما يشكل نسبة 159.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للقطاع الخاص (بالأسعار الجارية) ونحو خمسة أضعاف حجم القروض القائمة الممنوحة من صناديق التنمية الحكومية البالغة 147.4 مليار ريال في نهاية الربع الأول 2009. لافتا إلى أن القروض الإنتاجية نمت بمعدلات متزايدة، فيما استقر معدل نمو القروض الاستهلاكية، وقال إن ذلك يدل على توجه البنوك المحلية نحو القروض الإنتاجية. مضاعفة العقوبة وفي محاولة لاحتواء ظاهرة التعثر المتزايد للمشاريع الحكومية وفي إطار مناقشة أسباب التعثر والعمل على وضع الحلول المناسبة لها، يوصي الخبراء بإعادة تصنيف المقاولين، ومضاعفة العقوبات على المقاولين حتى يتم ضمان عدم تعثرهم، والتشهير بأسماء المقاولين الذين لهم الدور المباشر في تعثر المشاريع الحكومية. وطالب الدكتور سالم عبيد القرشي المتخصص في المشاريع الإنشائية الجهات الحكومية بالتنسيق مع بعضها بعضا قبل تنفيذ أي مشروع حيوي، وأن تكون هناك لجنة محايدة لمناقشة آلية سحب المشاريع المتعثرة من المقاولين، ووضع معايير محددة لتأهيل المقاولين. وأشار إلى أن كثرة عوامل التغيير على المشاريع تعني ضعف الدراسات وهي من أهم أسباب تعثر المشاريع والصرف عليها أكثر من اللازم، مطالبة الجهة التي لديها تعثر مع أي مقاول برفع ذلك إلى البلديات لاتخاذ اللازم. وأكد القرشي على أهمية إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية تختص بالمشاريع الحيوية التي تحت الإنشاء وبيانات عن مدة الانتهاء منها، مع أهمية تدريب الموظفين في الدوائر الحكومية لمراقبة المشاريع.