أثارت تطورات الأزمة السورية والتدخل الروسي المنحاز إلى نظام الأسد، قلق المملكة على المدنيين الذين تساقطوا بالعشرات نتيجة غارات موسكو، لذلك كثفت من مساعيها الرامية إلى إيجاد حل للأزمة، ولو بالذهاب إلى واشنطنوموسكو، خصوصا أن التعويل على الدور العسكري وحده للقضاء على الإرهاب هو ضرب من الخيال. وبينما دعا الاتحاد الأوروبي روسيا إلى التوقف عن دعم نظام الأسد، انضم فصيل كردي مسلح إلى جماعات عربية، في تحالف عسكري جديد باسم "التحالف العربي السوري" لمحاربة "داعش"، وهو ما دفع الولاياتالمتحدة إلى دعمه بأسلحة عسكرية أُلقيت جوا. بدوره، أكد حلف شمال الأطلسي أن التدخل الروسي في سورية سيؤدي، لا محالة، إلى إطالة أمد الأزمة وزيادة معاناة المدنيين. لا خلاف بين المملكة العربية السعودية، وروسيا، وبقية دول العالم على ضرورة التعاون في الحرب ضد "داعش"، في سورية والعراق، فقد كانت المملكة من أوائل الدول التي انضمت إلى التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة، وشاركت باكرا في مواجهة التنظيمات الإرهابية عام 2014، لكن توجد بالتأكيد خلافات أساسية لم يتوافق عليها الجميع بعد، مثل: رحيل الأسد أو بقائه، طبيعة تشكيل الحكومة الانتقالية، ومدتها، تصنيف فصائل المعارضة التي تحارب نظام الأسد. ما أثار قلق السعودية والمجتمع الدولي فيما يشبه الإجماع على الرأي في الفترة الأخيرة، ثلاثة أمور رئيسة، في مقدمتها عدم جدية الولاياتالمتحدة في حل الأزمة السورية، إضافة إلى عدم وضوح أهداف روسيا من الضربات الجوية في سورية، لا سيما هي تعد كل فصائل المعارضة تنظيمات إرهابية، يجب قتالها. وأخيرا وقوع مئات القتلى والجرحى من المدنيين السوريين، إلى جانب تزايد أعداد المهجرين والمهاجرين. البحث عن حلول لذلك كان لا بد من البحث جديا عن حل سياسي للأزمة السورية، ودعمه مع جميع القوى الدولية المنخرطة في الأزمة، ولو بالذهاب إلى واشنطنوموسكو، خصوصا أن التعويل على الدور العسكري وحده في القضاء على تنظيم داعش والتنظيمات المسلحة الأخرى هو ضرب من الخيال، فما حدث منذ عام هو "تقزيم لداعش وليس قضاء عليه"، والشيء نفسه سيتكرر مع روسيا، ومن هنا بات الجميع على اقتناع بأن الدور السعودي حيوي ومحوري، في ظل مخاوف حقيقية تنتاب روسيا، تحديدا من تنامي قوة امتداد داعش في آسيا الوسطى والقوقاز، وبعض المناطق داخل روسيا الاتحادية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المملكة ضد سياسة تقسيم الأراضي السورية، وفقا لاعتبارات مذهبية وطائفية، التي بدأت تلوح في الأفق لخدمة أطماع قوى إقليمية أخرى في صراع لا يهدأ مع المصالح العربية ووحدة أراضي العالم العربي، وهي أطماع تزايدت بقوة مع التدخلات العسكرية الخارجية في سورية من جهة، وإبرام الاتفاق النووي بين المجتمع الدولي وإيران من جهة أخرى. تعدد المآرب لقد أوشكت الحقائق والحقوق على الأرض السورية أن تتلاشى، مع تصاعد الاتهامات المتبادلة بين الولاياتالمتحدةوروسيا، فالأولى تتهم الضربات الجوية الروسية بأنها تستهدف المعارضة المعتدلة لنظام الأسد، من أجل تثبيت أركانه لمآرب أخرى، وروسيا تتهم الولاياتالمتحدة بعدم التركيز على قصف مواقع داعش، رغم أنها قادت التحالف الدولي منذ عام، وهي تهدف فقط إلى تقليم أظافره وليس القضاء عليه، لمآرب أخرى، وبين المآرب الأولى والثانية ضاعت حقوق الشعب السوري، الجريح، والقتيل، والمهجر، الذي أصبح ضحية مساومات وعمليات ابتزاز دولية، أكبر مما يتوقع أحد في المنطقة، لذا كان على المملكة أن تبحث عن مخارج جديدة لحل الأزمة، قبل أن تخرج كل الأوراق من أيدي العرب، ولو بالذهاب إلى واشنطنوموسكو، معا.