في كل رحلة من رحلات المبتعثين تجد الكثير من الحكايات والروايات التي عايشوها هناك، الكثير من الحكايات المتداولة على ألسنة الطلاب والمغتربين عموما تتجلى فيها ألوان التمجيد والتعظيم لتلك الدول، وهذا أمر طبيعي جدا، فمن يسافر إلى دولة ما أقول وباعتقادي أنه لن يرى في تلك الدول إلا ما ينقصه هنا، فبالتأكيد هو لن يرى إلا إيجابيات تلك الدول، ولن يرى ما ينقص تلك الدول وننعم به في أوطاننا. في إحدى الحكايات التي شنف بها أحد المبتعثين أسماعي واقعة غريبة نوعا ما لما أثرت في مبتعثنا العزيز، يقول هذا المبتعث: حين وصلت إلى الولاياتالمتحدة الأميركية وبدأت أتعرف على طبيعة الحياة هناك تأقلمت سريعا مع نمط حياتهم، خصوصا أنا أجدهم يقيمون وزنا لكل شيء، تعرفت على جاري فوجدته يخرج يوما في كل أسبوع ومعه ببغاء جميلة ويعود بعد ساعة أو ساعتين من الزمن، يقول: سألته يوما أين تذهب في هذا اليوم مع الببغاء؟ فأجابني بأني في هذا اليوم أخصص فيه ساعة من الزمن للترفيه على الببغاء في الحديقة المجاورة من الحي، وأحيانا أذهب بها إلى مدينة الألعاب لتعلب وتتسلى فأنا قد اشتريت لها اشتراكا لتلعب هناك. مبتعثنا يقول إنه أعجب بهذا الشخص وفكره، وبعد عدة محاولات اشترى هو ببغاء ووضع لها برنامجا يحاكي برنامج ببغاء جاره، حتى تعلق بها وتعلقت به. الإيمان بأهمية أي مشروع أو أي فكرة أو أي مبدأ كاحترام حقوق الحيوان على سبيل المثال جعل مبتعثنا يحاكي ذلك المواطن الأميركي ويهتم بالببغاء كما يصنع وهذا جميل جدا، ولكن ألا ينبغي أن ينعكس هذا الاهتمام على واقع أهم من ذلك، فحين نؤمن بحقوق الحيوان هناك ونتغافل عن حقوق الإنسان هنا وأعني حقوق أي فرد، سواء كانت الحقوق الشخصية البسيطة أو حق الجار أو الطريق أو الأجير، ألا يكون إيماننا ذاك إيمانا قشريا وترفا عاطفيا. بمعنى أنه يجب أن نعي أكثر حين نريد أن نسقط إيجابيات الآخرين على حياتنا وسلوكياتنا فينبغي أن تترجم هذه الإيجابيات إلى الأولويات في حياتنا فنعزز بذلك كل القيم الموجودة عندنا ونكرس كل جهدنا لنرتقي بأصالتنا وتعاليمنا فلا يسبقنا غيرنا بالاهتمام بنمط معين ونأتي لنقلد ذلك النمط ونتناسى بأننا نفتقر إلى ما هو أهم من أن نحاكي تصرفا أو سلوكا ما وجدناه في الغرب. ولنا أن نسأل مدى انعكاس ما وجده مبتعثونا في الخارج على تصرفاتهم وحياتهم اليومية هنا، وعلى سبيل المثال: أليس من حق أطفالنا علينا وبالأخص نحن كمبتعثين أن نخصص لهم يوما كالببغاء للفسحة والترفيه؟ ومن واقع نعيشه في مجتمع ذكوري كمجتمعنا أليس من حق أهلنا علينا.. أخوات كنّ أو زوجات أو أمهات أن نخصص لهن وقتا أسبوعيا نقضي فيه حوائجهن؟... على الأقل كببغاء مبتعثنا العزيز؟ أليست مسألة احترام حقوق الآخرين في الطريق واحترام أنظمة المرور هنا أولى من حمل ببغاء للتباهي بها وبحقوقها؟ العبرة ليست بالمحاكاة فقط إنما يجب أن نعي أكثر، فتطبيق ما نراه هناك من جمال واحترام يجب أن يكون على الوجه الأكمل وفي المجال الأهم، خصوصا نحن نهتم كثيرا بصيانة مجتمعاتنا ونقدس ما يقدم للمجتمع كالعلاقات الإنسانية والتكافل الاجتماعي أكثر مما هو مقدم للفرد بشكل خاص، وعلى المبتعث أن تتقد فيه روح المسؤولية التي بثها تجاه الببغاء لتصل هنا إلى كل من هم حوله من أناس لهم أحاسيس وعقول ومشاعر واحتياجات، بدلا من بعض حالات العزلة التي تصيب بعض المبتعثين حين عودتهم بدعوى عدم تناغمهم مع المجتمع. فببغاء المبتعث ليست أثمن من الاهتمام بأرواح هنا يجب أن تحفظ في الطرقات والشوارع من أذى المتهورين، وببغاء المبتعث ليست بأغلى من براءة الأطفال التي يجب أن تعيش واقعا جميلا ومستقبلا زاهرا يخطط ويرسم له. لن ألقي باللوم على المبتعثين في كثير من العوالق الاجتماعية المعاشة عندنا ونتنصل نحن من مسؤولياتنا وإنما المؤمل منهم أكثر لما يستطيعون القيام به، خصوصا نحن نرى طاقاتهم الجبارة وعقولهم التي أبهرت بلدانا احتضنتهم للدراسة وشرفوا بها أوطانهم. نحن نبحث عن طاقات المبتعثين بيننا فلديهم الكثير مما يقدمونه لمجتمعنا، كما أنه يجب علينا أن نستفيد من ببغاء المبتعث في الاهتمام بأولوياتنا.