وصف الدكتور عبدالرحمن الحبيب تاريخ الفلسفة بالمملكة بأنه تاريخ غياب، والغياب يصعب رصده أو تحديد آثاره. وقال ل"الوطن": إذا كان الغياب يعني عدم الحضور وليس عدم الوجود فإننا نجد نفحات الفلسفة في الكتب الفكرية والنقدية مثل كتاب "الخطيئة والتكفير" لعبدالله الغذامي، وأخيراً كتاب "ما قبل الفلسفة" لعلي الشدوي، ونجد بعض فروعها تظهر بلا مقدماتها الفلسفية كالفيزياء والرياضيات في التعليم العام والعالي. وعما إذا كانت الفلسفة تتعارض مع الدين، أم لا بد من فصلهما قال الحبيب: هما مختلفان في المستوى، فالدين عقيدة إيمانية نقلية وعقلية، بينما الفلسفة نمط من أنماط المعرفة العقلية تحمل مناهج وأدوات تحليل، ومن ثم هما في الغالب ليس في وارد التعارض أو التأييد بل هما في علاقة حياد لأن مستوييهما مختلفان، وإن كان بينهما مساحة مشتركة في فرع من فروع الفلسفة، لكنها تظل ضعيفة التأثير في العلاقة المحايدة التي بينهما. وحول ما إذا كانت هناك أزمة حقيقية في الوعي السعودي تجاه الفلسفة وكيفية تقبل الناس لها قال الحبيب: الأزمة هي في غياب الفلسفة الذي يؤدي إلى افتقار وعينا بها، نحن بحاجة ماسة لها لكي ترفع من وعينا الفكري وأدواتنا التحليلية وقدراتنا في التجريد والتصوير والتشخيص، فالثقافة بلا فلسفة تظل ثقافة عرجاء وهذا شأن ثقافتنا السعودية، فعندما تقرأ مقالاً أو دراسة أو كتاباً في شأن من شؤون الثقافة أو السياسة أو الاجتماع تلاحظ أحيانا نقصاً في الأطر التنظيمية لفكرة الكاتب وعدم وضوح الرؤية لديه وانخفاض وعيه العام بموضوعه الخاص، أما بالنسبة لتقبل الناس للفلسفة، فلا أرى أن لديهم حساسية، لا مع ولا ضد، إلا قلة من الذين لم يعد يرضيهم أي تطور مما يجري في الساحة الثقافية والتعليمية. وبخصوص التخوف من ردود عكسية قد تؤدي لإغلاق حلقة الفلسفة في نادي الرياض الأدبي أكد الحبيب أن الحلقة تعقد بشكل روتيني عادي، ولديها جدول أعمال وورشة عمل منظمة، وتناقش قضاياها الفلسفية بكل أريحية. وأشار الحبيب إلى عدم وجود مضايقات واجهت الحلقة الفلسفية قائلا: على العكس نلقى كل دعم من إدارة النادي سابقاً برئاسة الدكتور سعد البازعي والآن من قبل النشط المذهل الدكتور عبدالله الوشمي، وأنا ما زلت أتعجب من البعض عندما يتوقعون مسبقاً أننا نتعرض لمضايقات، وأن هناك حساسية من الفلسفة!، أظن أن ذلك عائد لحالة ذهنية تخيلية بأن هناك حساسية لدى الناس من الفلسفة، الحساسية هي لدى فئة ضئيلة من الناس. وفيما يتعلق بالنقد الذي تتعرض له الحلقة قال الحبيب: النقد الذي نتعرض له هو داعم لعملنا، فكل عمل يراد له التطور لا بد أن يتعرض للنقد، لقد انتقدنا الكاتب المبدع محمد السحيمي في عدة مقالات، وكان نقده طريفاً ومبدعاً وإن رأى البعض أن به بعض القسوة، وكذلك الدكتور عبدالله البريدي واجهنا بنقد رائع وفذ وأنا شخصياً استفدت منه كثيراً وأشكره على مجهوده المبدع، وأظن أن هؤلاء كانوا أكثر فائدة لنا ممن أثنى على الحلقة كشاكر النابلسي وهاشم صالح اللذين نتمنى أن نكون بمقدار ما أحسنا الظن بنا. وبخصوص ما قدمته الحلقة الفلسفية منذ بدايتها خصوصا أنها بعيدة عن الإعلام، أجاب الحبيب: ما زالت الحلقة في بداياتها، لم نكمل سنتين بعد، وأغلب عملنا هو ورش نقاش نقدم من خلالها أوراق عمل وربما أبحاثاً فلسفية لتطوير قدراتنا الذاتية. ولدينا نشاط منبري هو في بدايته، كما نشر لنا النادي أول كتاب فلسفي يجمع أوراق عملنا الرئيسة. أما توجهات الحلقة فهي مفتوحة للهواء الطلق ولكافة المشارب والتوجهات الفلسفية، ففينا ذو التوجه العقلاني يقابله ذو التوجه التجريبي، وفينا ذو التوجه الميتافيزيقي يقابله ذو التوجه الطبيعي وهكذا.