بينما أنا مستلق في لحظة صمت يتخللها صوت جهاز التكييف بهوائه البارد للهروب من حرارة أجواء الرياض في ظهيرة ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، تراءى لي مشهد نظرات عيني "مدوس"، وهو غير مصدق ما يحدث متأملا بأسى خيانة تصوير ابن عمه، ومشاهدا لابن عمه الآخر وهو يتلو بيانه البائس. البيان الذي لا يخلو من عبارات لا يستطيع سعد إكمالها مستبدلا إياها بعبارات أخرى مما حفظه من دعاة التطرف والإرهاب. المتأمل في تسلسل أحداث التطرف والإرهاب يرى أنها بدأت بدعوى محاربة المشركين في جزيرة العرب وقتلهم، منتهكين حرمة المعاهدين والذميين في بلاد الإسلام، ثم تطورت لقتل رجال الأمن ومن ثم لقتل الأقربين. هذا التطور في مستويات الإجرام والقتل تطور خطير لا نستطيع تصور سقف وحدود تطرفه، حيث لم يدر في خلد أكثر المتشائمين وصوله إلى هذا الحد من الإسراف في الإجرام وقتل القريب والخال وابن العم. قُتل مدوس قتلتين.. قتل وهو يبكي ويترجى ابن عمه "تكفى يا سعد"، وقتل أخرى برصاصة الغدر؛ لتغتال آمال شاب في مقتبل عمره بدم بارد، وتنهي فصول أحلامه قبل أن تبدأ. قتل مدوس وبقي صدى استجدائه "تكفى يا سعد" يتردد على مسامعنا.. وكأنها تصرخ مستكملة: تكفى يا مجتمعي لا تسهم فيما يفعله أمثال سعد وبراثن الإرهاب بإطلاق التكفير في خطبك.. تكفى يا مجتمعي رحمة الله قريبة لا تبعدها عني بآرائك وتشددك، "ورحمتي وسعت كل شيء".. تكفى يا مجتمعي تصد واجتث جذور التطرف بسماحة الإسلام ورحمته للبشرية "وما أرسلنك إلا رحمة للعالمين".. تكفى يا مجتمعي جفف ينابيع الانطواء والانكفاء بحلاوة الحياة وجمالها "ولاتنس نصيبك من الدنيا". صرخات مدوس تدعونا جميعا من مفكرين وباحثين وعلماء شرعيين ومراكز بحثية إلى بحث أسباب ودور المجتمع في وجود هذا التسارع الطردي والنوعي في مستوى الفكر المتطرف، والتصدي لها ووضع الحلول الناجعة ومعالجة هذا الداء الذي بدأ ينخر في شباب الوطن. فأول خطوة للعلاج هي التشخيص ومعرفة السبب. بالأمس سمعنا مدوس يستجدي ابن عمه "تكفى يا سعد"، إن لم نسارع في استئصال هذا الورم ووضع الحلول الفكرية لمجتمعنا في ظل تطور منظومة القتل والإجرام في دهاليز التطرف والإرهاب، فهل يا ترى سنسمع يومًا أبا يستجدي ابنه ألا يقتله.. "تكفى يا ولدي"؟ هذا ما لا آمله ولا أرجوه.