قد يظن البعض أنه لا يوجد شيء مشترك يجمع بين رجل يبيع العطور والساعات على أرصفة شوارع الرياض، وآخر يصلح الأحذية في لاجوس، وامرأة تشوي الأسماك في سوق مزدحم في نيودلهي، إلا أنهم جميعا يشكلون جزءا من الاقتصاد غير الرسمي على مستوى العالم والذي يقدره البعض بما قيمته 10 تريليونات دولار سنويا، وهو الاقتصاد الذي يعمل فيه –حسب تقديرات منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي- أكثر من نصف عدد العمال على مستوى العالم، والذي يقوم على الأعمال التجارية التي لا تخضع للمراقبة أو الضرائب أو الحصر، ولا تدخل في حسابات النواتج المحلية الإجمالية لأي دولة. ففي إطار هذا الاقتصاد يفضل كثير من أصحاب الأعمال الصغيرة العمل بصورة غير رسمية بعيدا عن قيود اللوائح، كما يعتمد كثير من المنتجين على العاملين الجائلين، وذلك لبيع منتجاتهم في الأماكن النائية والقرى البعيدة. ويشكل المتسولون إحدى شرائح العاملين في هذا النوع من الاقتصاد، ونراهم في كل دول العالم، الغنية منها والفقيرة. بل وتقوم بعض الدول بالاعتراف بهم ك"صناعة" تسهم في الدخل القومي. ففي بعض الولايات الهندية تقوم السلطة المحلية بإعطاء تصريح لمن يرغب في التسول، وتفرض عليه ضريبة يقوم بسدادها، وتنضم بذلك إلى قائمة المستفيدين. فالمتسول يحصل على أموال يتقاسمها مع من يقوم بتشغيله ومع الدولة نفسها التي تصرح له بذلك. ولسنا بعيدين عن ذلك. فقد نشرت تقديرات لبعض الخبراء بأن الاقتصاد غير الرسمي في المملكة تبلغ قيمته 422 مليار ريال في عام 2012، وهو ما يمثل حوالي 20% من الاقتصاد السعودي، وهو يضم عمالة تبلغ حوالي 1.8 مليون عامل من البائعين في الأسواق الشعبية وتجارة التجزئة، منهم حوالي 320 ألف سعودي، ويسهم في تقديم سلع وخدمات رخيصة الثمن، ويسهم في تخفيض نسبة البطالة في المملكة. كما يضم أيضا المتسولين المحترفين في مدن المملكة، والذين يبلغ عددهم حوالي 150 ألفا حسب بعض الإحصاءات، وتتراوح نسبة السعوديين منهم بين 13_21%، ويضاف إليهم عمال النظافة الذين يسعون إلى زيادة دخلهم المتواضع من خلال الحصول على الإكراميات من المارة عبر الطريق، أو بنبش أكياس القمامة للحصول على علب المياه الغازية وأكياس البلاستيك، بما يتبع ذلك من تناثر النفايات في الطرقات وانتشار الروائح الكريهة، وهو ما يعد وسيلة ممقوتة وبغيضة من وسائل الكسب السهلة وغير المشروعة، والتي تسهم في ضعف المجتمع وهوانه والإساءة إلى صورته. إن أنشطة الاقتصاد غير الرسمي ينبغي أن تكون خاضعة لسيطرة الدولة، وذلك من خلال إصدار التشريعات المتوازنة، والتي ينبغي أن يواكبها حسم في تنفيذ القانون بلا ضرر ولا ضرار، كما ينبغي أن تواكبها ملاحقة للمتسولين ونابشي القمامة لمعرفة الأسباب التي دفعتهم إلى ممارسة هذه العادات المذمومة. فبلد يصرف إعانة بطالة لمن لا يجد فرصة للعمل قادر بلا شك على القضاء المبرم على هذه الظواهر في إطار من العدل والرحمة.