حدد نائب الرئيس العراقي إياد علاوي عدة أسباب تضع العراق على صفيح ساخن، معلناً عن فشل شديد لحكومة العبادي والمالكي في تجنيب العراق المآزق التي يعيشها حالياً، موضحاً أن الانتصار في معركة هنا أو هناك لا يعني الانتصار في الحرب، مشيراً إلى حاجة العراق إلى استراتيجية لمحاربة داعش، وجمع كل العراقيين في إطار سياسي موحد ينبذ الطائفية ويعيد للدولة مؤسساتها المهنية. وركز علاوي على الدور الإيراني في خلخلة استقرار المنطقة، وتأثير تدخلاتها السلبي على أمن وسلام دول المنطقة. كل هذه الأشياء وغيرها تطالعونها في الحوار التالي: باختصار، كيف ترى الوضع السياسي في العراق؟ وهل يعيش العراق على صفيح ساخن؟ يمر العراق حالياً بمرحلة مفصلية، وفي تقديري هناك مخاطر حقيقية في مقدمتها الطائفية السياسية وما سببت وما تزال للبلاد من نزاعات وويلات ذهب ضحيتها مئات الآلاف من أبناء شعبنا، وإرهاب بشع يستغل المناخ السياسي السلبي ليوسع نشاطاته ضد شعبنا وعموم شعوب المنطقة، وكذلك غياب المؤسسات المهنية الكفءالتي تبنى عليها الدولة القادرة والمتمكنة من تقديم الأمان والخدمات اللائقة، حيث انعكست الطائفية السياسية على إقرار مبدأ التوازن في التعيينات، والذي بحد ذاته مبدأ تقسيمي ومفرق للمجتمع بدلاً من بناء دولة مواطنة كاملة وحقيقية، يتساوى فيها الجميع، ويسود فيها القانون لينطبق على المواطنين كلهم دون استثناء، فضلاً عن أن كل هذا قد حوّل العراق إلى فراغ إداري وسياسي ووهن أدى إلى تدخلات غير مقبولة في الشأن الداخلي من دول إقليمية، كما أدى إلى انتشار العنف والإرهاب. الحل الوحيد لإنقاذ العراق من محنته هو الخروج من نفق الطائفية السياسية، وتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية والشروع في بناء دولة المواطنة التي تقوم على العدل والمساواة. للمواطن العراقي طلباته، ماذا عنها؟ ولماذا لا تشمل العملية السياسية كل العراقيين؟ المواطن العراقي يطالب بحقه في العيش بأمن وأمان وتأمين الخدمات له، وهذه هي حقوق مشروعة وليست مطالب، وهي حق كل عراقي بغض النظر عن الدين والمذهب والعرق. أما لماذا لا تشمل العملية السياسية كل العراقيين، فهذا هو إيماني وعملي الدؤوب ليكون عراقاً لكل العراقيين وظهيراً قوياً لأشقائه العرب والمسلمين.. مشروعي للمصالحة الوطنية الذي تعرقله القوى التي تمترست بالطائفية السياسية فضلاً عن بعض قوى الخارج، واضح ومحدد، ويعتمد على مسارين متداخلين وأساسيين، أولهما الخروج من الطائفية السياسية وتسييس الدين وإلغاء هذا النهج سياسة وممارسة، وثانياً بناء التسامح السياسي والمحبة والاحترام، ومعاقبة من تسبب في الأذى قضائياً في قضاء عادل مستقل. ما هو موقفكم كدولة من اشتراط وجود الكفيل للمواطن العراقي عند دخوله بعض مناطق العراق؟ وهل هو خطوة أولى نحو التقسيم؟ مسؤولية الأمن تقع على الدولة، لكن السلطة فشلت في بسط الأمن فشلاً ذريعاً إلى الحد الذي سيطرت فيه داعش على مساحات من البلاد، مؤدية إلى تدفق للمدنيين من المواطنين النازحين الكرام خارج دورهم، كما أدى هذا الفشل الذريع إلى انكفاء المواطن لائذاً بمنطقته وعشيرته وطائفته وليس بالدولة ومؤسساتها. التمييز بين السنة والشيعة أحد أهم أسباب الاحتقان الطائفي، ماهو الحل للخروج من هذا المأزق؟ التمييز بحد ذاته مبدأ مرفوض رفضاً باتاً، وهو وصفة أكيدة لتدمير أي مجتمع، والانهيار الذي يعانيه العراق الآن نتيجة حتمية لذلك.. العدالة والمساواة هما ما يجب أن يتحقق، وهما ما أمرنا بهما الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم عندما قال "الناس سواسية كأسنان المشط"، وعندما فتح مكةالمكرمة تسامح وعفا حتى عمن أراد قتله، لهذا ننادي بتأسيس دولة المواطنة الكاملة القائمة على المساواة والعدل. مجرد المناداة ألا يكون بمثابة الإعلان عن فشلك في إنجاح ملف المصالحة الوطنية؟ نجاح أي عملية مصالحة يحتاج إلى الإيمان بالمبدأ، ووجود النوايا الصادقة والجادة، وهي مع الأسف غير متوفرة، لهذا لم أفشل على الإطلاق، لكنني وبمفردي أعمل عكس ما تريده القوى التي لا تمتلك النوايا، والتي تمترست بالطائفية السياسية وكذلك بعض الدول الكبرى ضد دول كبرى وأخرى إقليمية رفضت المصالحة، هذه القوى بمجموعها تعرقل المساعي التي أبذلها، وما حدث في انتخابات 2010 أكبر دليل على ذلك، ونجاحنا فيها أدى إلى تصدي إيران وأميركا بالضد من العملية الديموقراطية التي تغنت ووعدت بها أميركا العراقيين، وهذا ما أصارع ضده معتمداً على الله عز وجل فقط وعلى شعبنا العراقي الكريم. الانتماء العسكري والأمني في العراق قبلي وعشائري أكثر منه انتماء وطنيا؟ حين لا يكون هناك احترام للمواطن ولا حقوق مواطنة مضمونة، فبطبيعة الحال يلجأ المواطن إلى العشيرة والقبيلة والطائفية لطلب الحماية، وهذا من أسباب عدم القدرة على بناء جيش محترف وكفء ومهني. دور إيراني يلعب الإيرانيون دوراً مؤثراً في العراق، ما هي حقيقة هذا الدور؟ الدور الإيراني كبير وكبير جداً، لكن العراق ليس محتلاً، وإن كان واهناً وضعيفاً وممزقاً بسبب السياسات الخاطئة، وبغداد قلعة الأسود حزينة ومدمرة، وأشرت إلى مثال عن دور إيران في العراق بجوابي عن أحد أسئلتكم أعلاه، والتي توضح مدى قدرة إيران على إملاء ما تريد على قرارات العراق. التدخل الإيراني في بعض الدول كالعراق كان سببا في تأزيم علاقة العراق مع دول الخليج؟ ألا تتفق مع هذا القول؟ أضر تدخل إيران في العراق وفي لبنان وسورية واليمن والبحرين وجزر الإمارات العربية وما إلى ذلك بعلاقات العرب مع إيران، وهذه التدخلات ستضر إيران أيضاً في المستقبل، فالتاريخ مليء بالمفاجآت والمتغيرات، وعلى إيران أن تعمل مع دول الجوار على استقرار المنطقة وأمنها وسلامة شعوبها، وهناك فرصة تاريخية الآن بتوقيع إيران على الالتزام بعدم تطوير صناعة السلاح النووي. يقال إن حيدر العبادي ونوري المالكي وجهان لعملة واحدة، وإن كلاهما يعملان وفق وصاية إيرانية؟ هذا الأمر متروك للتاريخ والشعب، وهما من سيحكمان على كل من شغل منصباً أو اتخذ موقفاً سيادياً في العراق. الرئيس حيدر العبادي انتقد موقف التحالف الدولي في مواجهة داعش، هل تتفق معه؟ لا توجد استراتيجية لتحقيق النصر لا للتحالف الدولي ولا للعراق، ولم تتوفر مستلزمات الانتصار حتى الآن، والانتصار في الأساس هو انتصار سياسي قبل أن يكون عسكرياً، وذلك من خلال تحقيق المصالحة والوحدة الوطنية ليقوم الشعب الموحد بدحر داعش وقوى التطرف.. الانتصار في معركة أو أكثر هو غير الانتصار في الحرب على التطرف والتخلف والتعصب الأعمى الذي تمثله داعش. تشيرون إلى فشل حكومة المالكي والعبادي في مواجهة تنظيم داعش، أين يكمن هذا؟ عدم تغيير البيئة السياسية لتكون بيئة طاردة للتطرف، وعدم بناء المؤسسات الأمنية المهنية والكفء، وانعدام استراتيجية إدارة المصالحة والوحدة الوطنية، كلها أخطاء كبيرة، الحل الأساسي هو أن يشعر كل عراقي بأنه مواطن كامل الحقوق وغير مضطهد، وهذا لم يتحقق للأسف. مأزق المالكي خرج المالكي في حديث فضائي وتهجم على السعودية، وطلب وضعها تحت الوصاية الدولية؟ كيف تقيم حديثه؟ السعودية وقفت مع العراقيين في محنتهم إبان الحكم الديكتاتوري في العراق، ودعمت المعارضة العراقية، ودعتها إلى زيارة السعودية، وأنا الوحيد من رموز المعارضة لم أُدع، واستقبلهم المغفور له الملك فهد أحسن استقبال، ووقفت السعودية مع الفلسطينيين في قضية العرب الكبرى، ووقفت لدعم الدول الإسلامية وكذلك دعم النازحين (تبرعت ب500 مليون دولار لنازحي العراق) وحاربت ولا تزال الإرهاب، وهي مستهدفة من أعداء العرب والمسلمين، وقد حذرت بعض الإخوة من قادة السعودية من أن المؤامرة بعد العراق وسورية ومصر ستتجه نحو السعودية، وهذا كلام قلته أيضاً للمرحوم المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز، كما دعمت السعودية مؤتمر شرم الشيخ الهادف لاستقرار وسلامة العراق، وشهادة للتاريخ دعت السعودية دولاً إسلامية وعربية أخرى إلى استبدال القوات المتعددة الجنسية بقوات إسلامية وعربية من غير دول جوار العراق للحفاظ على سلامته.. في جدة –كنت في زيارة رسمية- واجتمعنا مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول لاستبدال القوات المتعددة الجنسيات بقوات عربية وإسلامية ليست من الجوار المباشر، واختلفنا معه حول هذا، وكان حاضراً في الاجتماعات المرحوم الرجل الحكيم سعود الفيصل وآخرون، وجرى عين الحديث مع ولي العهد حينها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أما حديث السيد المالكي فهو يمثله شخصياً فقط. الأزمة السورية هل ما زالت تشكل قلقا على الداخل العراقي؟ الساحة السورية والعراقية والساحات العربية كلها واحدة متداخلة تؤثر إحداها على الأخرى، عندما كنت رئيساً للوزراء أردت تطبيع العلاقات مع سورية، وأصررت على حضورها لمؤتمر الجوار الإقليمي، وطلبت بواسطة وزير الداخلية العراقي الذي أرسلته مع رسالة إلى بشار الأسد أن تتعاون سورية مع العراق في وقف تدفق الإرهابيين إلى العراق، وفعلاً بدأت سورية تتعاون، لكن بعد تركي الوزارة وعلى ما يبدو تراجعت سورية، مما حدا بالسيد المالكي إلى اتهام سورية بدعم الإرهاب. رجل الديكتاتور هل كنت في أي يوم رجلاً لصدام حسين في لندن؟ وهل دفعت ضريبة أن بدايتك السياسية كانت عبر حزب البعث؟ لي الفخر أن صدام حاول أن يغتالني في السبعينات واستمر في ملاحقتي، فيما لم يهتم كثيراً بشرائح أخرى من المعارضة، لذا فإنني لم أكن رجلاً لصدام أو لغيره، وأنا أول من واجه صدام منذ كنت طالباً في كلية الطب وهذا معلوم للقاصي والداني، وأنا رجل للعراق وللعرب والحمد لله. بدايتي السياسية تكمن في تحسسي للسياسة من خلال أجواء أسرتي التي لعبت دوراً في بناء العراق أثناء الحكم الملكي، وكذلك دوراً في الثورة العراقية ضد الإنجليز، وكان جدي رحمه الله من المفاوضين الأساسيين الداعين إلى تولي فيصل الأول رحمه الله قيادة العراق.. نعم انتميت إلى حزب البعث في مقتبل عمري لكني تصديت للحكومة بعدما جاء البعث للحكم عام 1968، وأنا حينذاك طالب في الصف الرابع في كلية الطب، واصطدمت بالحكومة وتركت العراق فور تخرجي عام 1971 إلى لبنان ثم لندن للتخصص في حقل الطب وتركت البعث.. سبب اختياري وأنا شاب صغير الانتماء للبعث كونه ضد الأفكار الشيوعية التي كنا نعتبرها أفكاراً مستوردة وضد قيم الإسلام والعروبة، (هذا ما كنا نؤمن به) فضلاً عن إيماني وقناعتي أن العرب والمسلمين قد انكسروا وخسروا فلسطين ولا بد من الانتصار.. هذه من العوامل الأساسية التي حدت بي إلى الانضمام إلى البعث حينها. مرت علاقتك بصدام حسين بكثير من المد والجزر ما هي الأسباب؟ المد أولاً عدما تصدينا للديكتاتورية ولأنه كان عضواً مميزاً في حزب البعث، والجزر ثانياً لأنه عمل على مصادرة الحزب والانفراد بالقرار السياسي والأمني، وبدأ الجزر مع صدام عام 1970 واستمر لحين أن عمل على قتلي في لندن وأنا أتخصص في الطب وبقيت لأكثر من عام في المستشفى، وفي عام 1996 صادر أملاك أسرتي الواسعة (الأعمام والإخوة حتى مقبرة الأسرة في النجف). ما هي قصة فشله في اغتيالك؟ نجوت من محاولة اغتيال بشعة ودموية وفي منتهى العنف، وذلك بعد أن فشل في إقناعي بالعمل معه وتأييده، وقد حاولت أن أغير وأسقط صدام ونظامه من الداخل (داخل العراق) بواسطة قوى التغيير كالقوات المسلحة وحزب البعث نفسه والأحزاب العراقية الفاعلة في الداخل والعشائر، وقوى المجتمع الأخرى، ولو تم ذلك لما وصل العراق إلى ما وصل إليه الآن. أسلحة الدمار يقال إنك قدمت أدلة على وجود أسلحة دمار شامل لدى صدام للتخلص من نظامه؟ بعد اختلافي معه، حاول صدام اغتيالي عام 1978 في لندن، وكان يحاول إقناعي تارة وتهديدي أخرى منذ عام 1975، وهذا قبل أسلحة الدمار الشامل، وكونت حينها حركة سرية سميت لاحقا بحركة الوفاق الوطني العراقي، وطلبت من بعض القادة العرب أن يكون هناك مشروع عربي للتغيير ودعم لقوى التغيير في العراق، لكن للأسف كان الوهن قد دب في أوصال الأمة العربية لأسباب كثيرة، في مقدمتها احتلال صدام وغزوه للكويت، وتداعيات ذلك على الوضع العربي، نعم كنت حريصاً على إنهاء حكم صدام (من الداخل)، ولو نجحنا في ذلك لجنبنا العراق الكوارث التي يمر بها الآن، ولكنني لم أكن أريد أن أرى تفكيك الدولة العراقية عندما انتصر المشروع الدولي على المشروع العربي وتم غزو العراق واحتلاله. هل كان صدام حسين حليفا للقاعدة، وهل منفذو 11 سبتمبر تدربوا في بغداد؟ لا صدام ولا البعثيون هم حلفاء القاعدة، أو منفذو عملية 11 سبتمبر الإجرامية.. نعم صدام دعم قوى متطرفة منهم جماعة أبو نضال ضد المناضلين الفلسطينيين، وصدام أو أجندته تعاملت مع كارلوس، كما رعى مؤتمرات إسلامية تواجد فيها متطرفون جداً قد يكونون من أنصار القاعدة، لكن للتاريخ وأنا خصمه فإنه لم يكن حليفاً للقاعدة على الإطلاق.