لا توجد كلمات تُقال، أو أحرف تُسطر، أو شِعر يُنثر، بل أقول: بكل ما تكنه القلوب من الحزن والأسى، وبكل ما تخفيه وتضمره الأنفس من الألم واللوعة والحرقة، وبكل ما تَفيض به الأعين من الدموع والعبرات، نعى الوطن والمواطنون والأمتان العربية والإسلامية جمعاء، ابنهم وفقيدهم وعميد الديبلوماسية في العالم ومهندس السياسة الخارجية فيها، الأمير سعود الفيصل، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين والمشرف على الشؤون الخارجية، ووزير الخارجية السابق،رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وألهمنا جميعا الصبر والسلوان على رحيله وفقدانه. فقد عرف عنه رحمه الله، وعلى مدى أربعة عقود، التفاني والإخلاص والجد في العمل، والتضحية بصحته ووقته في سبيل خدمة الدين والوطن، وخدمة القضايا التي تهم وتمس الوطن والمواطنين، وكل القضايا التي تهم الأمتين العربية والإسلامية وتخدم مصالحها، فقد كان، رحمه الله، رمزا من رموز السياسة، وعلما من أعلامها، ورافق وعاصر، رحمه الله، أربعة ملوك: الملك خالد والملك فهد والملك عبدالله، رحمهم الله جميعا، ومؤخرا العهد الحالي، عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود- حفظه الله- قبل أن يطلب منه إعفاءه من منصبه وزيرا للخارجية، نظرا لظروفه الصحية الحرجة، ولقد تأثرنا كثيرا لما جاء في تلك الكلمات الصادقة المؤثرة التي أبرق بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، للأمير سعود الفيصل حينما طلب إعفاءه، إذ قال حفظه الله: "لقد عرفناكم كما عرفكم العالم أجمع على مدى 40 عاما متنقلا بين عواصمه ومدنه شارحا سياسة وطنكم وحاملا لواءها، ومنافحا عن مبادئها ومصالحها، ومبادئ ومصالح أمتكم العربية والإسلامية، مضحين في سبيل ذلك بوقتكم وصحتكم، كما عرفنا فيكم الإخلاص في العمل والأمانة في الأداء والولاء للدين والوطن فكنتم لوطنكم خير سفير ولقادته خير معين". ومن خلال سيرته العطرة، نجد أن الأمير الراحل قد أحبّه العدو قبل الصديق، والبعيد قبل القريب، وذلك لصراحته ولأمانته وإخلاصه وعمله الدؤوب في كل ما من شأنه تحقيق تطلعات قيادته، وخدمة دينه ووطنه وشعبه وأمته، والسعي إلى نشر السلام والاستقرار في العالم، فأثبت وبكل معايير الجدارة والمهارة والتفوق والنجاح على قدرته التامة على حل كل القضايا الشائكة والصعبة، والدفاع عن القضايا والمصالح العربية والإسلامية في كل المحافل الدولية والإقليمية بكل حنكة وذكاء ودهاء وديبلوماسية، فكان رحمه الله حازما وحاسما وحكيما ومؤثرا في مواجهة الرأي العالمي والدولي، وقد أجمع العالم كله على ذلك، فها هو الرئيس الأميركي باراك أوباما يقول عنه "إنه ديبلوماسي ماهر، وأن هناك أجيالا من المسؤولين والديبلوماسيين الأميركيين استفادوا من وجهة نظره الثاقبة وشخصيته وصفاته الديبلوماسية، وإن العالم أجمع سيتذكر إرثه". إننا ونحن نرفع تعازينا ومواساتنا لقيادتنا الرشيدة ولأنفسنا ولأمتنا العربية والإسلامية، لنسأل المولى القدير في هذه الأيام الفاضلة والليالي المباركة أن يتغمد الفقيد الأمير سعود الفيصل بواسع رحمته ورضوانه، ويسكنه فسيح جناته، ويجزيه خير الجزاء على ما قدم لدينه ووطنه وشعبه وأمته.